الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } * { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } * { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } * { قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } * { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } * { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } * { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } * { فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ } * { لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } * { فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } * { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } * { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } * { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } * { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } * { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

لما سمع فرعون قول موسى وهارون { إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال مستفسراً لهما عن ذلك عازماً على الاعتراض لما قالاه فقال { وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أيّ شيء هو؟ جاء في الاستفهام بما التي يستفهم بها عن المجهول، ويطلب بها تعيين الجنس، فلما قال فرعون ذلك قَالَ موسى { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } ، فعين له ما أراد بالعالمين، وترك جواب ما سأل عنه فرعون لأنه سأله عن جنس ربّ العالمين، ولا جنس له، فأجابه موسى بما يدلّ على عظيم القدرة الإلهية التي تتضح لكل سامع أنه سبحانه الربّ، ولا ربّ غيره { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } أي إن كنتم موقنين بشيء من الأشياء، فهذا أولى بالإيقان. { قَالَ } فرعون { لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } أي لمن حوله من الأشراف ألا تستمعون ما قاله؟ يعني موسى معجباً لهم من ضعف المقالة كأنه قال أتسمعون وتعجبون؟ وهذا من اللعين مغالطة، لما لم يجد جواباً عن الحجة التي أوردها عليه موسى. فلما سمع موسى ما قال فرعون، أورد عليه حجة أخرى هي مندرجة تحت الحجة الأولى، ولكنها أقرب إلى فهم السامعين له فـفال { رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } ، فأوضح لهم أن فرعون مربوب لا ربّ كما يدّعيه، والمعنى أن هذا الربّ الذي أدعوكم إليه هو الذي خلق آباءكم الأوّلين، وخلقكم، فكيف تعبدون من هو واحد منكم مخلوق كخلقكم، وله آباء قد فنوا كآبائكم؟ فلم يجبه فرعون عند ذلك بشيء يعتدّ به، بل جاء بما يشكك قومه، ويخيل إليهم أن هذا الذي قاله موسى مما لا يقوله العقلاء، فـقال { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } قاصداً بذلك المغالطة، وإيقاعهم في الحيرة، مظهراً أنه مستخفّ بما قاله موسى مستهزىء به، فأجابه موسى عند ذلك بما هو تكميل لجوابه الأوّل، فقال { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا } ولم يشتغل موسى بدفع ما نسبه إليه من الجنون، بل بين لفرعون شمول ربوبية الله سبحانه للمشرق والمغرب وما بينهما، وإن كان ذلك داخلاً تحت ربوبيته سبحانه للسماوات والأرض وما بينهما، لكن فيه تصريح بإسناد حركات السماوات وما فيها، وتغيير أحوالها وأوضاعها، تارة بالنور وتارة بالظلمة إلى الله سبحانه، وتثنية الضمير في { وَمَا بَيْنَهُمَا } الأوّل لجنسي السمٰوات والأرض كما في قول الشاعر
تنقلت في أشرف التنقل بين رماحي مالك ونهشل   
{ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } أي شيئاً من الأشياء، أو إن كنتم من أهل العقل أي إن كنت يا فرعون، ومن معك من العقلاء عرفت، وعرفوا أنه لا جواب لسؤالك إلاّ ما ذكرت لك. ثم إن اللعين لما انقطع عن الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب، فقال { لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } أي لأجعلنك من أهل السجن، وكان سجن فرعون أشدّ من القتل لأنه إذا سجن أحداً لم يخرجه حتى يموت، فلما سمع موسى عليه السلام ذلك لاطفه طمعاً في إجابته وإرخاء لعنان المناظرة معه، مريداً لقهره بالحجة المعتبرة في باب النبوّة، وهي إظهار المعجزة، فعرض له على وجه يلجئه إلى طلب المعجزة فقال { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيء مُّبِينٍ } أي أتجعلني من المسجونين، ولو جئتك بشيء يتبين به صدقي ويظهر عنده صحة دعواي؟ والهمزة هنا للاستفهام، والواو للعطف على مقدّر كما مرّ مراراً، فلما سمع فرعون ذلك طلب ما عرضه عليه موسى فقال { فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في دعواك، وهذا الشرط جوابه محذوف، لأنه قد تقدّم ما يدلّ عليه، فعند ذلك أبرز موسى المعجزة.

السابقالتالي
2 3 4