قوله { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الضمير يرجع إلى ما نزله عليه من الأخبار أي وإن هذه الأخبار أو وإن القرآن، وإن لم يجر له ذكر للعلم به، قيل وهو على تقدير مضاف محذوف أي ذو تنزيل، وأما إذا كان تنزيل بمعنى منزل فلا حاجة إلى تقدير مضاف قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم { نَزَّلَ } مخففاً، وقرأه الباقون مشدّداً، و { وَٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } على القراءة الثانية منصوب على أنه مفعول به، وقد اختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد، والروح الأمين جبريل، كما في قوله{ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } البقرة 97، ومعنى { عَلَىٰ قَلْبِكَ } أنه تلاه على قلبه، ووجه تخصيص القلب، لأنه أوّل مدرك من الحواس الباطنة. قال أبو حيان إن { على قلبك } ، ولتكون متعلقان بنزل، وقيل يجوز أن يتعلقا بتنزيل، والأوّل أولى، وقرىء " نزّل " مشدّداً مبنياً للمفعول، والفاعل هو الله تعالى، ويكون الروح على هذه القراءة مرفوعاً على النيابة { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } علة للإنزال أي أنزله لتنذرهم بما تضمنه من التحذيرات والإنذارات والعقوبات. { بِلِسَانٍ عَرَبِىّ مُّبِينٍ } متعلق بالمنذرين أي لتكون من المنذرين بهذا اللسان، وجوّز أبو البقاء أن يكون بدلاً من { به } ، وقيل متعلق بنزل، وإنما أخر للاعتناء بذكر الإنذار، وإنما جعل الله سبحانه القرآن عربياً بلسان الرسول العربي لئلا يقول مشركو العرب لسنا نفهم ما تقوله بغير لساننا فقطع بذلك حجتهم وأزاح علتهم ودفع معذرتهم. { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } أي إن هذا القرآن باعتبار أحكامه التي أجمعت عليها الشرائع في كتب الأوّلين من الأنبياء، والزبر الكتب، الواحد زبور، وقد تقدّم الكلام على تفسير مثل هذا. وقيل الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل المراد بكون القرآن في زبر الأوّلين أنه مذكور فيها هو نفسه، لا ما اشتمل عليه من الأحكام، والأوّل أولى. { أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ ءَايَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرٰءيلَ } الهمزة للإنكار، والواو للعطف على مقدّر كما تقدّم مراراً، والآية العلامة والدلالة أي ألم يكن لهؤلاء علامة دالة على أن القرآن حق، وأنه تنزيل ربّ العالمين. وأنه في زبر الأوّلين، { أن يعلمه علماء بني إسرائيل } على العموم، أو من آمن منهم كعبد الله بن سلام، وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين لأنهم كانوا يرجعون إليهم ويصدّقونهم. قرأ ابن عامر " تكن " بالفوقية، " وآية " بالرفع على أنها اسم كان، وخبرها أن يعلمه إلخ، ويجوز أن تكون تامة، وقرأ الباقون " يكن " بالتحتية، و { آية } بالنصب على أنها خبر { يكن } ، واسمها { أن يعلمه } الخ، قال الزجاج { أن يعلمه } اسم { يكن } ، و { آية } خبره.