ذكر سبحانه القصة السادسة من قصص الأنبياء مع قومهم، وهي قصة لوط. وقد تقدّم تفسير قوله { إِذْ قَالَ لَهُمْ } إلى قوله { إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } في هذه السورة، وتقدّم أيضاً تفسير قصة لوط مستوفى في الأعراف قوله { أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الذكران جمع الذكر ضدّ الأنثى، ومعنى { تأتون } تنكحون الذكران من العالمين، وهم بنو آدم، أو كل حيوان، وقد كانوا يفعلون ذلك بالغرباء على ما تقدّم في الأعراف. { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أَزْوٰجِكُمْ } أي وتتركون ما خلقه الله لأجل استمتاعكم به من النساء، وأراد بالأزواج جنس الإناث { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } أي مجاوزون للحدّ في جميع المعاصي، ومن جملتها هذه المعصية التي ترتكبونها من الذكران { قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ } عن الإنكار علينا، وتقبيح أمرنا { لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } من بلدنا المنفيين عنها { قَالَ إِنّي لِعَمَلِكُمْ } ، وهو ما أنتم فيه من إتيان الذكران { مّنَ ٱلْقَـٰلِينَ } المبغضين له، والقلي البغض، قليته أقليه قلا، وقلاء، ومنه قول الشاعر
فلست بمقلي الخلال ولا قالي
وقال الآخر
ومالك عندي إن نأيت قلاء
ثم رغب عليه الصلاة والسلام عن محاورتهم، وطلب من الله عزّ وجلّ أن ينجيه، فقال { رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ } أي من عملهم الخبيث، أو من عقوبته التي ستصيبهم، فأجاب الله سبحانه دعاءه، وقال { فَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } أي أهل بيته، ومن تابعه على دينه، وأجاب دعوته { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَـٰبِرِينَ } هي امرأة لوط، ومعنى { فِي ٱلْغَـٰبِرِينَ } من الباقين في العذاب. وقال أبو عبيدة من الباقين في الهرم أي بقيت حتى هرمت. قال النحاس يقال للذاهب غابر، وللباقي غابر. قال الشاعر
لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتج
والأغبار بقية الألبان، وتقول العرب ما مضى، وما غبر أي ما مضى، وما بقي { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } أي أهلكناهم بالخسف، والحصب. { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } يعني الحجارة { فَسَاء مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } المخصوص بالذمّ محذوف، والتقدير مطرهم، وقد تقدّم تفسير { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } في هذه السورة. { كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ لْـئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ } قرأ نافع وابن كثير وابن عامر " ليكة " بلام واحدة وفتح التاء جعلوه اسماً غير معرّف بأل مضافاً إليه أصحاب، وقرأ الباقون. { الأيكة } معرفاً، و { الأيكة } الشجر الملتف، وهي الغيضة، وليكة اسم للقرية، وقيل هما بمعنى واحد اسم للغيضة. قال القرطبي فأما ما حكاه أبو عبيد من أن ليكة اسم القرية التي كانوا فيها، وأن الأيكة اسم البلد كله، فشيء لا يثبت، ولا يعرف من قاله ولو عرف لكان فيه نظر لأن أهل العلم جميعاً على خلافه.