الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } * { يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } * { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } * { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } * { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً } * { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً }

قوله { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ } لما فرغ من ذكر إتيانهم بالطاعات شرع في بيان اجتنابهم للمعاصي، فقال والذي لا يدعون مع الله سبحانه رباً من الأرباب. والمعنى لا يشركون به شيئاً، بل يوحدونه، ويخلصون له العبادة والدعوة { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي حرّم قتلها { إِلاَّ بِٱلْحَقّ } أي يحقّ أن تقتل به النفوس من كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس { وَلاَ يَزْنُونَ } أي يستحلون الفروج المحرّمة بغير نكاح، ولا ملك يمين { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أي شيئاً مما ذكر { يَلْقَ } في الآخرة { أَثَاماً } ، والأثام في كلام العرب العقاب. قال الفراء آثمه الله يؤثمه أثاماً وآثاماً، أي جازاه جزاء الإثم. وقال عكرمة، ومجاهد إن أثاماً وادٍ في جهنم جعله الله عقاباً للكفرة. وقال السديّ جبل فيها. وقرىء " يلق " بضم الياء، وتشديد القاف. قال أبو مسلم والأثام والإثم واحد، والمراد هنا جزاء الآثام، فأطلق اسم الشيء على جزائه. وقرأ الحسن " يلق أياماً " جمع يوم يعني شدائد، والعرب تعبر عن ذلك بالأيام، وما أظنّ هذه القراءة تصح عنه { يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ } قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي " يضاعف، ويخلد " بالجزم، وقرأ ابن كثير " يضعف " بتشديد العين وطرح الألف والجزم، وقرأ طلحة بن سليمان " نضعف " بضم النون، وكسر العين المشدّدة والجزم، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بالرفع في الفعلين على الإستئناف. وقرأ طلحة بن سليمان " وتخلد " بالفوقية خطاباً للكافر. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ " ويخلد " بضم الياء التحتية، وفتح اللام. قال أبو عليّ الفارسي وهي غلط من جهة الرواية، ووجه الجزم في يضاعف أنه بدل من يلق لاتحادهما في المعنى، ومثله قول الشاعر
إن على الله أن تبايعا تؤخذ كرهاً أو تجيء طائعاً   
والضمير في قوله { وَيَخْلُدْ فِيهِ } راجع إلى العذاب المضاعف، أي يخلد في العذاب المضاعف { مُهَاناً } ذليلاً حقيراً. { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً } قيل هو استثناء متصل، وقيل منقطع. قال أبو حيان لا يظهر الاتصال لأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب، فيصير التقدير إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً، فلا يضاعف له العذاب، ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف. قال والأولى عندي أن تكون منقطعاً أي لكن من تاب. قال القرطبي لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عام في الكافر والزاني. واختلفوا في القاتل من المسلمين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7