الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } * { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } * { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } * { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } * { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } * { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } * { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }

اللام في قوله { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } جواب قسم محذوف، أي والله لقد آتينا موسىٰ التوراة، ذكر سبحانه طرفاً من قصص الأولين تسلية له صلى الله عليه وسلم بأن تكذيب قوم أنبياء الله لهم عادة للمشركين بالله، وليس ذلك بخاص بمحمد صلى الله عليه وسلم، و { هَـٰرُونَ } عطف بيان ويجوز أن ينصب على القطع، و { وَزِيراً } المفعول الثاني. وقيل حال، والمفعول الثاني معه، والأوّل أولى. قال الزجاج الوزير في اللغة الذي يرجع إليه، ويعمل برأيه، والوزر ما يعتصم به، ومنهكَلاَّ لاَ وَزَرَ } القيامة 11. وقد تقدّم تفسير الوزير في طه، والوزارة لا تنافي النبوة، فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء، ويؤمرون بأن يوازر بعضهم بعضاً. وقد كان هارون في أوّل الأمر وزيراً لموسى، ولاشتراكهما في النبوّة قيل لهما { ٱذْهَبَا إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } ، وهم فرعون وقومه، والآيات هي التسع التي تقدم ذكرها، وإن لم يكونوا قد كذبوا بها عند أمر الله لموسى وهارون بالذهاب بل كان التكذيب بعد ذلك، لكن هذا الماضي بمعنى المستقبل على عادة إخبار الله أي اذهبا إلى القوم الذين يكذبون بآياتنا. وقيل إنما وصفوا بالتكذيب عند الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً لعلة استحقاقهم للعذاب. وقيل يجوز أن يراد إلى القوم الذين آل حالهم إلى أن كذبوا. وقيل إن المراد بوصفهم بالتكذيب عند الإرسال أنهم كانوا مكذبين للآيات الإلهية، وليس المراد آيات الرسالة. قال القشيري وقوله تعالى في موضع آخرٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } طه 24 لا ينافي هذا لأنهما إذا كانا مأمورين، فكل واحد مأمور. ويمكن أن يقال إن تخصيص موسى بالخطاب في بعض المواطن لكونه الأصل في الرسالة، والجمع بينهما في الخطاب لكونهما مرسلين جميعاً { فَدَمَّرْنَـٰهُمْ تَدْمِيراً } في الكلام حذف أي فذهبا إليهم، فكذبوهما، فدمرناهم أي أهلكناهم إثر ذلك التكذيب إهلاكاً عظيماً. وقيل إن المراد بالتدمير هنا الحكم به، لأنه لم يحصل عقب بعث موسى وهارون إليهم، بل بعده بمدّة. { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَـٰهُمْ } في نصب { قوم } أقوال العطف على الهاء، والميم في دمرناهم، أو النصب بفعل محذوف أي اذكر، أو بفعل مضمر يفسره ما بعده، وهو أغرقناهم أي أغرقنا قوم نوح أغرقناهم. وقال الفراء هو منصوب بأغرقناهم المذكور بعده من دون تقدير مضمر يفسره ما بعده. وردّه النحاس بأن أغرقنا لا يتعدّى إلى مفعولين حتى يعمل في الضمير المتصل به، وفي قوم نوح، ومعنى { لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ } أنهم كذبوا نوحاً، وكذبوا من قبله من رسل الله. وقال الزجاج من كذّب نبياً فقد كذّب جميع الأنبياء، وكان إغراقهم بالطوفان كما تقدّم في هود { وَجَعَلْنَـٰهُمْ لِلنَّاسِ ءَايَةً } أي جعلنا إغراقهم، أو قصتهم للناس آية أي عبرة لكل الناس على العموم يتعظ بها كل مشاهد لها، وسامع لخبرها { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّـٰلِمِينَ } المراد بالظالمين قوم نوح على الخصوص.

السابقالتالي
2 3 4 5