الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } * { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } * { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } * { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } * { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } * { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } * { قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً } * { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً }

لما فرغ سبحانه من ذكر ما طعنوا به على القرآن ذكر ما طعنوا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال { وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ } وفي الإشارة هنا تصغير لشأن المشار إليه، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسموه رسولا استهزاء وسخرية { يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } أي ما باله يأكل الطعام كما نأكل، ويتردّد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردّد، وزعموا أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن الطعام والكسب، وما الاستفهامية في محل رفع على الابتداء، والاستفهام للاستنكار، أو خبر المبتدأ لهذا الرسول، وجملة { يَأْكُلُ } في محل نصب على الحال، وبها تتمّ فائدة الإخبار كقولهفَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } المدثر 49، والإنكار متوجه إلى السبب مع تحقق المسبب، وهو الأكل والمشي، ولكنه استبعد تحقق ذلك لانتفاء سببه عندهم تهكماً واستهزاء، والمعنى أنه إن صحّ ما يدّعيه من النبوّة، فما باله لم يخالف حاله حالنا { لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } طلبوا أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم مصحوباً بملك يعضده ويساعده، تنزلوا عن اقتراح أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ملكاً مستغنياً عن الأكل والكسب، إلى اقتراح أن يكون معه ملك يصدّقه، ويشهد له بالرسالة، قرأ الجمهور { فيكون } بالنصب على كونه جواب التحضيض. وقرىء " فيكون " بالرفع على أنه معطوف على أنزل، وجاز عطفه على الماضي، لأن المراد به المستقبل. { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } معطوف على أنزل، ولا يجوز عطفه على فيكون، والمعنى أو هلا يلقى إليه كنز، تنزلوا من مرتبة نزول الملك معه، إلى اقتراح أن يكون معه كنز يلقى إليه من السماء ليستغني به عن طلب الرزق { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } قرأ الجمهور { تكون } بالمثناة الفوقية، وقرأ الأعمش، وقتادة " يكون " بالتحتية، لأن تأنيث الجنة غير حقيقي. وقرأ " نأكل " بالنون حمزة وعليّ وخلف، وقرأ الباقون { يأكل } بالمثناة التحتية أي بستان نأكل نحن من ثماره، أو يأكل هو وحده منه ليكون له بذلك مزية علينا حيث يكون أكله من جنته. قال النحاس والقراءتان حسنتان، وإن كانت القراءة بالياء أبين، لأنه قد تقدّم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحده، فعود الضمير إليه بين { وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } المراد بـ { الظالمون } هنا هم القائلون بالمقالات الأولى، وإنما وضع الظاهر موضع المضمر مع الوصف بالظلم للتسجيل عليهم به أي ما تتبعون إلاّ رجلاً مغلوباً على عقله بالسحر، وقيل إذا سحر، وهي الرئة أي بشراً له رئة لا ملكاً، وقد تقدّم بيان مثل هذا في سبحان.

السابقالتالي
2 3 4 5