الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ }

جملة { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } مستأنفة مسوقة لتقدير ما تقدّمها من الأحكام، و { إِنَّمَا } من صيغ الحصر. والمعنى لا يتم إيمان ولا يكمل حتى يكون { بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، وجملة { وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } معطوفة على آمنوا داخلة معه في حيز الصلة أي إذا كانوا مع رسول الله على أمر جامع، أي على أمر طاعة يجتمعون عليها، نحو الجمعة والنحر والفطر والجهاد وأشباه ذلك، وسمي الأمر جامعاً مبالغة { لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } قال المفسرون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر، لم يخرج حتى يقوم بحيال النبيّ صلى الله عليه وسلم حيث يراه، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن، فيأذن لمن يشاء منهم. قال مجاهد وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده. قال الزجاج أعلم الله أن المؤمنين إذا كانوا مع نبيه فيما يحتاج فيه إلى الجماعة لم يذهبوا حتى يستأذنوه، وكذلك ينبغي أن يكونوا مع الإمام لا يخالفونه، ولا يرجعون عنه في جمع من جموعهم إلاّ بإذنه، وللإمام أن يأذن، وله أن لا يأذن على ما يرى لقوله تعالى { فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } ، وقرأ اليماني " على أمر جميع ". والحاصل أن الأمر الجامع، أو الجميع هو الذي يعمّ نفعه، أو ضرره، وهو الأمر الجليل الذي يحتاج إلى اجتماع أهل الرأي، والتجارب. قال العلماء كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه، ولا يرجعون عنه إلاّ بإذنه. ثم قال سبحانه { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكََ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } فبيّن سبحانه أن المستأذنين هم المؤمنون بالله ورسوله كما حكم أوّلاً بأن المؤمنين الكاملين الإيمان هم الجامعون بين الإيمان بهما وبين الاستئذان { فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ } أي إذا استأذن المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الأمور التي تهمهم، فإنه يأذن لمن شاء منهم، ويمنع من شاء على حسب ما تقتضيه المصلحة التي يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرشده الله سبحانه إلى الاستغفار لهم، وفيه إشارة إلى أن الاستئذان إن كان لعذر مسوّغ، فلا يخلو عن شائبة تأثير أمر الدنيا على الآخرة { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير المغفرة والرحمة بالغ فيهما إلى الغاية التي ليس وراءها غاية. { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً } وهذه الجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها أي لا تجعلوا دعوته إياكم كالدعاء من بعضكم لبعض في التساهل في بعض الأحوال عن الإجابة، أو الرجوع بغير استئذان، أو رفع الصوت. وقال سعيد بن جبير ومجاهد المعنى قولوا يا رسول الله في رفق ولين، ولا تقولوا يا محمد بتجهم.

السابقالتالي
2 3