الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

لما فرغ سبحانه من ذكر ما ذكره من دلائل التوحيد رجع إلى ما كان فيه من الاستئذان، فذكره هاهنا على وجه أخصّ، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } والخطاب للمؤمنين، وتدخل المؤمنات فيه تغليباً كما في غيره من الخطابات. قال العلماء هذه الآية خاصة ببعض الأوقات. واختلفوا في المراد بقوله { لِيَسْتَأْذِنكُمُ } على أقوال الأوّل أنها منسوخة، قاله سعيد بن المسيب. وقال سعيد بن جبير إن الأمر فيها للندب لا للوجوب. وقيل كان ذلك واجباً حيث كانوا لا أبواب لهم، ولو عاد الحال لعاد الوجوب، حكاه المهدوي عن ابن عباس. وقيل إن الأمر هاهنا للوجوب، وإن الآية محكمة غير منسوخة، وأن حكمها ثابت على الرجال والنساء. قال القرطبي وهو قول أكثر أهل العلم. وقال أبو عبد الرحمٰن السلمي إنها خاصة بالنساء. وقال ابن عمر هي خاصة بالرجال دون النساء. والمراد بقوله { مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } العبيد، والإماء، والمراد بـ { الذين لم يبلغوا الحلم } الصبيان { منكم } أي من الأحرار، ومعنى { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } ثلاثة أوقات في اليوم والليلة، وعبر بالمرات عن الأوقات لأن أصل وجوب الاستئذان هو بسبب مقارنة تلك الأوقات لمرور المستأذنين بالمخاطبين لا نفس الأوقات، وانتصاب { ثلاث مرات } على الظرفية الزمانية أي ثلاثة أوقات، ثم فسر تلك الأوقات بقوله { مّن قَبْلِ صَـلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ } إلخ، أو منصوب على المصدرية أي ثلاث استئذانات ورجح هذا أبو حيان، فقال والظاهر من قوله { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } ثلاث استئذانات، لأنك إذا قلت ضربتك ثلاث مرات لا يفهم منه إلاّ ثلاث ضربات. ويردّ بأن الظاهر هنا متروك للقرينة المذكورة، وهو التفسير بالثلاثة الأوقات. قرأ الحسن، وأبو عمرو في رواية الحلم بسكون اللام، وقرأ الباقون بضمها. قال الأخفش الحلم من حلم الرجل بفتح اللام، ومن الحلم حلم بضم اللام يحلم بكسر اللام. ثم فسر سبحانه الثلاث المرات، فقال { مّن قَبْلِ صَـلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ } ، وذلك لأنه وقت القيام عن المضاجع، وطرح ثياب النوم، ولبس ثياب اليقظة، وربما يبيت عرياناً، أو على حال لا يحبّ أن يراه غيره فيها، ومحله النصب على أنه بدل من ثلاث، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي من قبل، وقوله { وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } معطوف على محل { مّن قَبْلِ صَـلَوٰةِ ٱلْفَجْرِ } ، و«من» في { مّنَ ٱلظَّهِيرَةِ } للبيان، أو بمعنى في، أو بمعنى اللام. والمعنى حين تضعون ثيابكم التي تلبسونها في النهار من شدة حرّ الظهيرة، وذلك عند انتصاف النهار، فإنهم قد يتجرّدون عن الثياب لأجل القيلولة. ثم ذكر سبحانه الوقت الثالث، فقال { وَمِن بَعْدِ صَلَوٰةِ ٱلْعِشَاء } ، وذلك لأنه وقت التجرد عن الثياب، والخلوة بالأهل، ثم أجمل سبحانه هذه الأوقات بعد التفصيل، فقال { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } قرأ الجمهور { ثلاثُ عورات } برفع ثلاث وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بالنصب على البدل من ثلاث مرات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10