الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }

لما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف، شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء، فربما يؤدّي إلى أحد الأمرين المذكورين، وأيضاً إن الإنسان يكون في بيته، ومكان خلوته على حالة قد لا يحبّ أن يراه عليها غيره، فنهى الله سبحانه عن دخول بيوت الغير إلى غاية، هي قوله { حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } ، والاستئناس الاستعلام، والاستخبار أي حتى تستعلموا من في البيت، والمعنى حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم، وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم، فإذا علمتم ذلك دخلتم، ومنه قولهفَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدا } النساء 6 أي علمتم. قال الخليل الاستئناس الاستكشاف، من أنس الشيء إذا أبصره كقولهإِنّي آنَسْتُ نَاراً } طه 10 أي أبصرت. وقال ابن جرير إنه بمعنى وتؤنسوا أنفسكم. قال ابن عطية وتصريف الفعل يأبى أن يكون من أنس. ومعنى كلام ابن جرير هذا أنه من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش حتى يؤذن له، فإذا أذن له استأنس، فنهى سبحانه عن دخول تلك البيوت حتى يؤذن للداخل. وقيل هو من الإنس، وهو يتعرّف هل ثم إنسان أم لا؟ وقيل معنى الاستئناس الاستئذان، أي لا تدخلوها حتى تستأذنوا. قال الواحدي قال جماعة المفسرين حتى تستأذنوا، ويؤيده ما حكاه القرطبي عن ابن عباس، وأبيّ، وسعيد بن جبير أنهم قرءوا " حتى تستأذنوا " قال مالك فيما حكاه عنه ابن وهب الاستئناس فيما يرى، والله أعلم الاستئذان، وقوله { وَتُسَلّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بأن يقول " السلام عليكم أأدخل؟ " مرّة، أو ثلاثاً كما سيأتي. واختلفوا هل يقدّم الاستئذان على السلام، أو العكس، فقيل يقدّم الاستئذان، فيقول أدخل؟ سلام عليكم، لتقديم الاستئناس في الآية على السلام. وقال الأكثرون إنه يقدّم السلام على الاستئذان فيقول السلام عليكم، أدخل؟، وهو الحقّ، لأن البيان منه صلى الله عليه وسلم للآية كان هكذا. وقيل إن وقع بصره على إنسان قدّم السلام، وإلاّ قدّم الاستئذان { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } الإشارة إلى الاستئناس، والتسليم أي دخولكم مع الاستئذان، والسلام خير لكم من الدخول بغتة { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أن الاستئذان خير لكم، وهذه الجملة متعلقة بمقدّر أي أمرتم بالاستئذان، والمراد بالتذكر الاتعاظ، والعمل بما أمروا به { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمُ } أي إن لم تجدوا في البيوت التي لغيركم أحداً ممن يستأذن عليه فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم بدخولها من جهة من يملك الإذن.

السابقالتالي
2 3 4