الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } * { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

قوله { وَلاَ يَأْتَلِ } أي يحلف، وزنه يفتعل من الألية، وهي اليمين، ومنه قول الشاعر
تألّى ابن أوس حلفة ليردّني إلى نسوة كأنهن مفايد   
وقول الآخر
قليل الألايا حافظ ليمينه وإن بدرت منه الألية برّت   
يقال ائتلى يأتلى إذا حلف. ومنه قوله سبحانهلّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ } البقرة 226 وقالت فرقة هو من ألوت في كذا إذا قصرت، ومنه لم آل جهداً أي لم أقصر، وكذا منه قولهلاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } آل عمران 118. ومنه قول الشاعر
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه بمدرك أطراف الخطوب ولا آل   
والأوّل أولى بدليل سبب النزول، وهو ما سيأتي، والمراد بالفضل الغنى والسعة في المال { أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينَ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي على أن لا يؤتوا. قال الزجاج أن لا يؤتوا فحذف لا، ومنه قول الشاعر
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي   
وقال أبو عبيدة لا حاجة إلى إضمار لا، والمعنى لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان الجامعين لتلك الأوصاف، وعلى الوجه الآخر يكون المعنى لا يقصروا في أن يحسنوا إليهم، وإن كانت بينهم شحناء لذنب اقترفوه، وقرأ أبو حيوة " إن تؤتوا " بتاء الخطاب على الالتفات. ثم علمهم سبحانه أدباً آخر، فقال { وَلْيَعْفُواْ } عن ذنبهم الذي أذنبوه عليهم، وجنايتهم التي اقترفوها، من عفا الربع أي درس، والمراد محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع { وَلْيَصْفَحُواْ } بالإغضاء عن الجاني، والإغماض عن جنايته، وقرىء بالفوقية في الفعلين جميعاً. ثم ذكر سبحانه ترغيباً عظيماً لمن عفا وصفح، فقال { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } بسبب عفوكم وصفحكم عن الفاعلين للإساءة عليكم { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير المغفرة والرحمة لعباده مع كثرة ذنوبهم، فكيف لا يقتدي العباد بربهم في العفو والصفح عن المسيئين إليهم؟ { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } قد مرّ تفسير المحصنات، وذكرنا الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حدّ القذف. وقد اختلف في هذه الآية هل هي خاصة أو عامة؟ فقال سعيد بن جبير هي خاصة فيمن رمى عائشة رضي الله عنها. وقال مقاتل هي خاصة بعبد الله بن أبيّ رأس المنافقين. وقال الضحاك، والكلبي هذه الآية هي في عائشة وسائر أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم دون سائر المؤمنين والمؤمنات، فمن قذف إحدى أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، فهو من أهل هذه الآية. قال الضحاك ومن أحكام هذه الآية أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم، ومن قذف غيرهنّ فقد جعل الله له التوبة كما تقدّم في قوله

السابقالتالي
2 3 4