الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } * { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } * { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } * { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

خبر " إن " من قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءُو بِٱلإفْكِ } هو { عُصْبَةٌ } ، و { مّنكُمْ } صفة لعصبة، وقيل هو { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ } ، ويكون عصبة بدلا من فاعل جاءُوا. قال ابن عطية وهذا أنسق في المعنى، وأكثر فائدة من أن يكون الخبر عصبة، وجملة { لا تحسبوه } ، وإن كانت طلبية، فجعلها خبراً يصح بتقدير كما في نظائر ذلك، والإفك أسوأ الكذب وأقبحه، وهو مأخوذ من أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه. فالإفك هو الحديث المقلوب، وقيل هو البهتان. وأجمع المسلمون على أن المراد بما في الآية ما وقع من الإفك على عائشة أمّ المؤمنين، وإنما وصفه الله بأنه إفك لأن المعروف من حالها رضي الله عنها خلاف ذلك، قال الواحدي ومعنى القلب في هذا الحديث الذي جاء به أولئك النفر أن عائشة رضي الله عنها كانت تستحق الثناء بما كانت عليه من الحصانة، وشرف النسب والسبب لا القذف، فالذين رموها بالسوء قلبوا الأمر عن وجهه، فهو إفك قبيح، وكذب ظاهر، والعصبة هم الجماعة من العشرة إلى الأربعين، والمراد بهم هنا عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين، زيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح ابن أثاثة، وحمنة بنت جحش، ومن ساعدهم. وقيل العصبة من الثلاثة إلى العشرة، وقيل من عشرة إلى خمسة عشر. وأصلها في اللغة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض، وجملة { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ } إن كانت خبراً لإنّ فظاهر، وإن كان الخبر عصبة كما تقدّم، فهي مستأنفة، خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة، وصفوان بن المعطل الذي قذف مع أمّ المؤمنين، وتسلية لهم، والشرّ ما زاد ضرّه على نفعه، والخير ما زاد نفعه على ضرّه، وأما الخير الذي لا شرّ فيه فهو الجنة، والشرّ الذي لا خير فيه فهو النار، ووجه كونه خيراً لهم أنه يحصل لهم به الثواب العظيم مع بيان براءة أمّ المؤمنين، وصيرورة قصتها هذه شرعاً عامًّا { لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ } أي بسبب تكلمه بالإفك { وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } قرأ الحسن، والزهري، وأبو رجاء، وحميد الأعرج، ويعقوب، وابن أبي علية، ومجاهد، وعمرة بنت عبد الرحمٰن بضمّ الكاف. قال الفرّاء وهو وجه جيد، لأن العرب تقول فلان تولى عظيم كذا وكذا أي أكبره، وقرأ الباقون بكسرها. قيل هما لغتان، وقيل هو بالضم معظم الإفك، وبالكسر البداءة به، وقيل هو بالكسر الإثم. فالمعنى إن الذي تولى معظم الإفك من العصبة له عذاب عظيم في الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما. واختلف في هذا الذي تولى كبره من عصبة الإفك من هو منهم؟ فقيل هو عبد الله بن أبيّ، وقيل هو حسان، والأوّل هو الصحيح.

السابقالتالي
2 3 4 5 6