الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

السورة في اللغة اسم للمنزلة الشريفة، ولذلك سميت السورة من القرآن سورة، ومنه قول النابغة
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب   
أي منزلة. قرأ الجمهور سورة بالرفع وفيه وجهان أحدهما أن تكون خبراً لمبتدأ محذوف أي هذه سورة، ورجحه الزجاج، والفراء، والمبرد، قالوا لأنها نكرة، ولا يبتدأ بالنكرة في كل موضع. والوجه الثاني أن يكون مبتدأ وجاز الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة بقوله { أَنزَلْنَـٰهَا } والخبر { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } ويكون المعنى السورة المنزلة المفروضة كذا وكذا، إذ السورة عبارة عن آيات مسرودة لها مبدأ ومختم، وهذا معنى صحيح، ولا وجه لما قاله الأولون من تعليل المنع من الابتداء بها كونها نكرة فهي نكرة مخصصة بالصفة، وهو مجمع على جواز الابتداء بها. وقيل هي مبتدأ محذوف الخبر على تقدير فيما أوحينا إليك سورة، وردّ بأن مقتضى المقام ببيان شأن هذه السورة الكريمة، لابيان أن في جملة ما أوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم سورة شأنها كذا وكذا. وقرأ الحسن بن عبد العزيز، وعيسى الثقفي، وعيسىٰ الكوفي، ومجاهد، وأبو حيوة، وطلحة بن مصرف بالنصب، وفيه أوجه الأوّل أنها منصوبة بفعل مقدّر غير مفسر بما بعده، تقديره اتل سورة، أو اقرأ سورة. والثاني أنها منصوبة بفعل مضمر يفسره ما بعده على ما قيل في باب اشتغال الفعل عن الفاعل بضميره أي أنزلنا سورة أنزلناها، فلا محل لـ { أنزلناها } هاهنا لأنها جملة مفسرة، بخلاف الوجه الذي قبله، فإنها في محل نصب على أنها صفة لسورة. الوجه الثالث أنها منصوبة على الإغراء أي دونك سورة، قاله صاحب الكشّاف. ورده أبو حيان بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء. الرابع أنها منصوبة على الحال من ضمير { أنزلناها } ، قال الفراء هي حال من الهاء، والألف، والحال من المكنى يجوز أن تتقدّم عليه، وعلى هذا فالضمير في { أنزلناها } ليس عائداً على { سورة } ، بل على الأحكام، كأنه قيل أنزلنا الأحكام حال كونها سورة من سور القرآن. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو " وفرّضناها " بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف. قال أبو عمرو فرّضناها بالتشديد أي قطعناها في الإنزال نجماً نجماً، والفرض القطع، ويجوز أن يكون التشديد للتكثير، أو للمبالغة، ومعنى التخفيف أوجبناها، وجعلناها مقطوعاً بها، وقيل ألزمناكم العمل بها، وقيل قدّرنا ما فيها من الحدود، والفرض التقدير، ومنهإِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ } القصص 85. { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَات } أي أنزلنا في غضونها وتضاعيفها، ومعنى كونها بينات أنها واضحة الدلالة على مدلولها، وتكرير { أنزلنا } لكمال العناية بإنزال هذه السورة، لما اشتملت عليه من الأحكام. { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } هذا شروع في تفصيل ما أجمل من الآيات البينات، والارتفاع على الابتداء، والخبر { فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا } ، أو على الخبرية لسورة كما تقدّم، والزنا هو وطء الرجل للمرأة في فرجها من غير نكاح، ولا شبهة نكاح.

السابقالتالي
2 3 4 5