قوله { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } قال الفراء " قد " ها هنا يجوز أن تكون تأكيداً لفلاح المؤمنين، ويجوز أن تكون تقريباً للماضي من الحال لأن قد تقرّب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه، ألا تراهم يقولون قد قامت الصلاة قبل حال قيامها، ويكون المعنى في الآية أن الفلاح قد حصل لهم وأنهم عليه في الحال، والفلاح الظفر بالمراد والنجاة من المكروه. وقيل البقاء في الخير، وأفلح إذا دخل في الفلاح، ويقال أفلحه إذا أصاره إلى الفلاح، وقد تقدّم بيان معنى الفلاح في أوّل البقرة. وقرأ طلحة بن مصرف " قد أفلح " بضم الهمزة وبناء الفعل للمفعول. وروي عنه أنه قرأ " أفلحوا المؤمنون " على الإبهام والتفسير، أو على لغة أكلوني البراغيث. ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } وما عطف عليه. والخشوع منهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات والعبث، وهو في اللغة السكون والتواضع والخوف والتذلل. وقد اختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها؟ على قولين قيل الصحيح الأوّل، وقيل الثاني. وادّعى عبد الواحد بن زيد إجماع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته، حكاه النيسابوري في تفسيره. قال ومما يدل على صحة هذا القول قوله تعالى{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ } محمد 24. والتدبر لا يتصوّر بدون الوقوف على المعنى، وكذا قوله{ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِي } طه 14. والغفلة تضادّ الذكر، ولهذا قال{ وَلاَ تَكُنْ مّنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ } الأعراف 205. وقوله{ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } النساء 43. نهي للسكران والمستغرق في هموم الدنيا بمنزلته. واللغو، قال الزجاج هو كل باطل ولهو وهزل ومعصية وما لا يجمل من القول والفعل، وقد تقدم تفسيره في البقرة. قال الضحاك إن اللغو هنا الشرك. وقال الحسن إنه المعاصي كلها. ومعنى إعراضهم عنه تجنبهم له وعدم التفاتهم إليه، وظاهره اتصافهم بصفة الإعراض عن اللغو في كل الأوقات، فيدخل وقت الصلاة في ذلك دخولاً أوّلياً كما تفيده الجملة الإسمية، وبناء الحكم على الضمير، ومعنى فعلهم للزكاة تأديتهم لها، فعبر عن التأدية بالفعل لأنها مما يصدق عليه الفعل، والمراد بالزكاة هنا المصدر لأنه الصادر عن الفاعل، وقيل يجوز أن يراد بها العين على تقدير مضاف، أي وَٱلَّذِينَ هُم لتأدية ٱلزَّكَوٰةَ * فَـٰعِلُونَ. { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ } الفرج يطلق على فرج الرجل والمرأة، ومعنى حفظهم لها أنهم ممسكون لها بالعفاف عما لا يحلّ لهم. قيل والمراد هنا الرجال خاصة دون النساء، بدليل قوله { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } للإجماع على أنه لا يحل للمرأة أن يطأها من تملكه.