الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ } * { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } * { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } * { فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } * { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } * { فَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } * { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } * { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ }

قوله { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ } أي من بعد إهلاكهم { قُرُوناً ءَاخَرِينَ } قيل هم قوم صالح ولوط وشعيب كما وردت قصتهم على هذا الترتيب في الأعراف وهود، وقيل هم بنو إسرائيل. والقرون الأمم، ولعل وجه الجمع هنا للقرون والإفراد فيما سبق قريباً أنه أراد ها هنا أمماً متعدّدة وهناك أمة واحدة. ثم بين سبحانه كمال علمه وقدرته في شأن عباده فقال { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَـئخِرُونَ } أي ما تتقدّم كل طائفة مجتمعة في قرن آجالها المكتوبة لها في الهلاك ولا تتأخر عنها، ومثل ذلك قوله تعالىفَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } النحل 61. ثم بين سبحانه أن رسله كانوا بعد هذه القرون متواترين، وأن شأن أممهم كان واحداً في التكذيب لهم فقال { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تترا } والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها بمعنى أن إرسال كل رسول متأخر عن إنشاء القرن الذي أرسل إليه، لا على معنى أنّ إرسال الرسل جميعاً متأخر عن إنشاء تلك القرون جميعاً، ومعنى { تتراً } تتواتر واحداً بعد واحد ويتبع بعضهم بعضاً، من الوتر وهو الفرد. قال الأصمعي واترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضاً إلا أن بين كل واحد منها وبين الآخر مهلة. وقال غيره المتواترة المتتابعة بغير مهلة. قرأ ابن كثير، وابن عمرو " تترى " بالتنوين على أنه مصدر. قال النحاس وعلى هذا يجوز " تترى " بكسر التاء الأولى لأن معنى { ثم أرسلنا } واترنا، ويجوز أن يكون في موضع الحال، أي متواترين { كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ } هذه الجملة مستأنفة مبينة لمجيء كل رسول لأمته على أن المراد بالمجيء التبليغ { فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً } أي في الهلاك بما نزل بهم من العذاب { وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ } الأحاديث جمع أحدوثة، وهي ما يتحدّث به الناس كالأعاجيب جمع أعجوبة، وهي ما يتعجب الناس منه. قال الأخفش إنما يقال جعلناهم أحاديث في الشرّ، ولا يقال في الخير، كما يقال صار فلان حديثاً، أي عبرة، وكما قال سبحانه في آية أخرىفَجَعَلْنَـٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَـٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } سبأ 19. قلت وهذه الكلية غير مسلمة فقد يقال صار فلان حديثاً حسناً، ومنه قول ابن دريد في مقصورته
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن روى   
{ فَبُعْداً لّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } وصفهم هنا بعدم الإيمان، وفيما سبق قريباً بالظلم لكون كل من الوصفين صادراً عن كل طائفة من الطائفتين، أو لكون هؤلاء لم يقع منهم إلا مجرّد عدم التصديق، وأولئك ضموا إليه تلك الأقوال الشنيعة التي هي من أشد الظلم وأفظعه. ثم حكى سبحانه ما وقع من فرعون وقومه عند إرسال موسى وهارون إليهم فقال { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَـٰرُونَ بِـئَايَـٰتِنَا } هي التسع المتقدّم ذكرها غير مرّة، ولا يصح عدّ فلق البحر منها هنا لأن المراد الآيات التي كذبوا بها واستكبروا عنها.

السابقالتالي
2 3 4 5