الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } * { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } * { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } * { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }

لما حثّ سبحانه عباده على العبادة ووعدهم الفردوس على فعلها، عاد إلى تقرير المبدأ والمعاد ليتمكن ذلك في نفوس المكلفين فقال { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } إلى آخره، واللام جواب قسم محذوف، والجملة مبتدأة، وقيل معطوفة على ما قبلها، والمراد بالإنسان الجنس لأنهم مخلوقون في ضمن خلق أبيهم آدم، وقيل المراد به آدم. والسلالة فعالة من السلّ، وهو استخراج الشيء من الشيء، يقال سللت الشعرة من العجين، والسيف من الغمد فانسلّ، فالنطفة سلالة، والولد سليل، وسلالة أيضاً، ومنه قول الشاعر
فجاءت به عضب الأديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين   
وقول الآخر
وهل هند إلا مهرة عربية سلالة أفراس تجللها بغل   
و " مِنْ " في { مِن سُلَـٰلَةٍ } ابتدائية متعلقة بـ { خلقنا } ، وفي { مِن طِينٍ } بيانية متعلقة بمحذوف، وقع صفة لسلالة، أي كائنة من طين، والمعنى أنه سبحانه خلق جوهر الإنسان أوّلاً من طين لأن الأصل آدم، وهو من طين خالص وأولاده من طين ومنيّ، وقيل السلالة الطين إذا عصرته انسلّ من بين أصابعك فالذي يخرج هو السلالة، قاله الكلبي { ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ } أي الجنس باعتبار أفراده الذين هم بنو آدم، أو جعلنا نسله على حذف مضاف إن أريد بالإنسان آدم { نُّطْفَةٍ } وقد تقدّم تفسير النطفة في سورة الحج. وكذلك تفسير العلقة والمضغة. والمراد بالقرار المكين الرّحم، وعبر عنها بالقرار الذي هو مصدر مبالغة، ومعنى { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً } أي أنه سبحانه أحال النطفة البيضاء علقة حمراء { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } أي قطعة لحم غير مخلقة { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَـٰماً } أي جعلها الله سبحانه متصلبة لتكون عموداً للبدن على أشكال مخصوصة { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْماً } أي أنبتَ الله سبحانه على كل عظم لحماً على المقدار الذي يليق به ويناسبه { ثم أنشأناه خلقاً آخر } أي نفخنا فيه الروح بعد أن كان جماداً. وقيل أخرجناه إلى الدنيا. وقيل هو نبات الشعر. وقيل خروج الأسنان. وقيل تكميل القوى المخلوقة فيه، ولا مانع من إرادة الجميع، والمجيء بـ " ثم " لكمال التفاوت بين الخلقين { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } أي استحق التعظيم والثناء. وقيل مأخوذ من البركة، أي كثر خيره وبركته. والخلق في اللغة التقدير، يقال خلقت الأديم إذا قسته لتقطع منه شيئاً، فمعنى { أحسن الخالقين } أتقن الصانعين المقدّرين، ومنه قول الشاعر
ولأنت تفري ما خلقت وبــ ــعض القوم يخلق ثم لا يفري   
{ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيّتُونَ } الإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى الأمور المتقدّمة، أي ثم إنكم بعد تلك الأمور لميتون صائرون إلى الموت لا محالة { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تُبْعَثُونَ } من قبوركم إلى المحشر للحساب والعقاب.

السابقالتالي
2 3 4 5