الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } * { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } * { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } * { قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } * { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } * { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } * { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ } * { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } * { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } * { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } * { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ }

" حَتَّىٰ " هي الابتدائية دخلت على الجملة الشرطية، وهي مع ذلك غاية لما قبلها متعلقة بقوله { لكاذبون } وقيل بـ { يصفون } والمراد بمجيء الموت مجيء علاماته { قَالَ رَبّ ٱرْجِعُونِ } أي قال ذلك الواحد الذي حضره الموت تحسراً وتحزناً على ما فرط منه رب ارجعون، أي ردوني إلى الدنيا، وإنما قال ارجعون بضمير الجماعة لتعظيم المخاطب. وقيل هو على معنى تكرير الفعل، أي ارجعني ارجعني ارجعني، ومثله قولهأَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } قۤ 24. قال المازني معناه ألق ألق، وهكذا قيل في قول امرىء القيس
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل   
ومنه قول الحجاج يا حرسي اضربا عنقه. ومنه قول الشاعر
ولو شئت حرمت النساء سواكم   
وقول الآخر
ألا فارحموني يا إلٰه محمد   
وقيل إنهم لما استغاثوا بالله قال قائلهم ربّ، ثم رجع إلى مخاطبة الملائكة فقال { ٱرْجِعُونِ * لَعَلّي أَعْمَلُ صَـٰلِحاً } أي أعمل عملاً صالحاً في الدنيا إذا رجعت إليها من الإيمان وما يتبعه من أعمال الخير، ولما تمنى أن يرجع ليعمل ردّ الله عليه ذلك بقوله { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } فجاء بكلمة الردع والزجر، والضمير في { إنها } يرجع إلى قوله { رَبّ ٱرْجِعُونِ } أي إن هذه الكلمة هو قائلها لا محالة، وليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا، أو المعنى أنه لو أجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء، كما في قولهوَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } الأنعام 28. وقيل إن الضمير في { قائلها } يرجع إلى الله، أي لا خلف في خبره، وقد أخبرنا بأنه لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها { وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ } أي من أمامهم وبين أيديهم. والبرزخ هو الحاجز بين الشيئين. قاله الجوهري. واختلف في معنى الآية، فقال الضحاك ومجاهد وابن زيد حاجز بين الموت والبعث. وقال الكلبي هو الأجل ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة. وقال السديّ هو الأجل، و { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } هو يوم القيامة. { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } قيل هذه هي النفخة الأولى. وقيل الثانية، وهذا أولى، وهي النفخة التي تقع بين البعث والنشور. وقيل المعنى فإذا نفخ في الأجساد أرواحها، على أن الصور جمع صورة، لا القرن ويدلّ على هذا قراءة ابن عباس والحسن " الصور " بفتح الواو مع ضم الصاد جمع صورة. وقرأ أبو رزين بفتح الصاد والواو، وقرأ الباقون بضم الصاد وسكون الواو، وهو القرن الذي ينفخ فيه { فَلاَ أَنسَـٰبَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ } أي لا يتفاخرون بالأنساب ويذكرونها لما هم فيه من الحيرة والدهشة { وَلاَ يَتَسَاءلُونَ } أي لا يسأل بعضهم بعضاً، فإن لهم إذ ذاك شغلاً شاغلاً، ومنه قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7