الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } * { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

قوله { يأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ } هذا متصل بقولهوَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَـٰناً } الحج 71 قال الأخفش ليس ثم مثل، وإنما المعنى ضربوا لي مثلاً { فَٱسْتَمِعُواْ } قولهم، يعني أن الكفار جعلوا لله مثلاً بعبادتهم غيره، فكأنه قال جعلوا لي شبهاً في عبادتي فاستمعوا خبر هذا الشبه. وقال القتيبي إن المعنى يا أيها الناس، مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذباباً، وإن سلبها شيئاً لم تستطع أن تستنقذه منه. قال النحاس المعنى ضرب الله عزّ وجلّ لما يعبدونه من دونه مثلاً. قال وهذا من أحسن ما قيل فيه، أي بين الله لكم شبهاً ولمعبودكم. وأصل المثل جملة من الكلام متلقاة بالرضا والقبول، مسيرة في الناس مستغربة عندهم، وجعلوا مضربها مثلاً لموردها، ثم قد يستعيرونها للقصة أو الحالة أو الصفة المستغربة لكونها مماثلة لها في الغرابة كهذه القصة المذكورة في هذه الآية. والمراد بما يدعونه من دون الله الأصنام التي كانت حول الكعبة وغيرها. وقيل المراد بهم السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله لكونهم أهل الحلّ والعقد فيهم. وقيل الشياطين الذين حملوهم على معصية الله، والأوّل أوفق بالمقام وأظهر في التمثيل، والذباب اسم للواحد يطلق على الذكر والأنثى، وجمع القلة أذبة، والكثرة ذبان مثل غراب وأغربة وغربان. وقال الجوهري الذباب معروف، الواحد ذبابة. والمعنى لن يقدروا على خلقه مع كونه صغير الجسم حقير الذات، وجملة { وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } معطوفة على جملة أخرى شرطية محذوفة، أي لو لم يجتمعوا له لن يخلقوه ولو اجتمعوا له، والجواب محذوف والتقدير لن يخلقوه وهما في محل نصب على الحال، أي لن يخلقوه على كلّ حال. ثم بين سبحانه كمال عجزهم وضعف قدرتهم فقال { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } أي إذا أخذ منهم الذباب شيئاً من الأشياء لا يقدرون على تخليصه منه لكمال عجزهم وفرط ضعفهم، والاستنقاذ والإنقاذ التخلص، وإذا عجزوا عن خلق هذا الحيوان الضعيف، وعن استنقاذ ما أخذه عليهم فهم عن غيره مما هو أكبر منه جرماً وأشدّ منه قوّة أعجز وأضعف، ثم عجب سبحانه من ضعف الأصنام والذباب، فقال { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } فالصنم كالطالب من حيث إنه يطلب خلق الذباب أو يطلب استنقاذ ما سلبه منه، والمطلوب الذباب. وقيل الطالب عابد الصنم، والمطلوب الصنم، وقيل الطالب الذباب، والمطلوب الآلهة. ثم بين سبحانه أن المشركين الذين عبدوا من دون الله آلهة عاجزة إلى هذه الغاية في العجز، ما عرفوا الله حقّ معرفته فقال { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حقّ تعظيمه ولا عرفوه حقّ معرفته، حيث جعلوا هذه الأصنام شركاء له مع كون حالها هذا الحال، وقد تقدّم في الأنعام { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ } على خلق كل شيء { عَزِيزٌ } غالب لا يغالبه أحد، بخلاف آلهة المشركين، فإنها جماد لا تعقل ولا تنفع ولا تضرّ ولا تقدر على شيء.

السابقالتالي
2 3 4 5