الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ أَوْ مَاتُواْ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ } * { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ }

أفرد سبحانه المهاجرين بالذكر تخصيصاً لهم بمزيد الشرف، فقال { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال بعض المفسرين هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة. وقال بعضهم الذين هاجروا من الأوطان في سرية أو عسكر، ولا يبعد حمل ذلك على الأمرين، والكلّ من سبيل الله { ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ } أي في حال المهاجرة، واللام في { لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً } جواب قسم محذوف، والجملة خبر الموصول بتقدير القول، وانتصاب { رزقاً } على أنه مفعول ثانٍ، أي مرزوقاً حسناً، أو على أنه مصدر مؤكدة، والرزق الحسن هو نعيم الجنة الذي لا ينقطع وقيل هو الغنيمة لأنه حلال. وقيل هو العلم والفهم كقول شعيبوَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا } هود 88. قرأ ابن عامر وأهل الشام " ثم قتلوا " بالتشديد على التكثير، وقرأ الباقون بالتخفيف { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرازِقِينَ } فإنه سبحانه يرزق بغير حساب، وكل رزق يجري على يد العباد لبعضهم البعض، فهو منه سبحانه، لا رازق سواه ولا معطي غيره، والجملة تذييل مقرّرة لما قبلها. وجملة { لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ } مستأنفة، أو بدل من جملة { ليرزقنهم الله }. قرأ أهل المدينة " مدخلاً " بفتح الميم، وقرأ الباقون بضمها، وهو اسم مكان أريد به الجنة، وانتصابه على أنه مفعول ثانٍ أو مصدر ميمي مؤكد للفعل المذكور، وقد مضى الكلام على مثل هذا في سورة سبحان. وفي هذا من الامتنان عليهم والتبشير لهم ما لا يقادر قدره، فإن المدخل الذي يرضونه هو الأوفق لنفوسهم والأقرب إلى مطلبهم، على أنهم يرون في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وذلك هو الذي يرضونه وفوق الرضا { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ } بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم { حَلِيمٌ } عن تفريط المفرطين منهم لا يعاجلهم بالعقوبة. والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم. قال الزجاج أي الأمر ما قصصنا عليكم من إنجاز الوعد للمهاجرين خاصة إذا قتلوا أو ماتوا، فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف، ومعنى { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } من جازى الظالم بمثل ما ظلمه. وسمي الابتداء باسم الجزاء مشاكلة كقوله تعالىوَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } الشورى 40. وقوله تعالىفَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ } البقرة 194. والعقوبة في الأصل إنما تكون بعد فعل تكون جزاء عنه. والمراد بالمثلية أنه اقتصر على المقدار الذي ظلم به ولم يزد عليه، ومعنى { ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ } أن الظالم له في الابتداء عاوده بالمظلمة بعد تلك المظلمة الأولى. قيل المراد بهذا البغي هو ما وقع من المشركين من إزعاج المسلمين من أوطانهم بعد أن كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به، واللام في { لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } جواب قسم محذوف، أي لينصرن الله المبغيّ عليه على الباغي { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } أي كثير العفو والغفران للمؤمين فيما وقع منهم من الذنوب.

السابقالتالي
2 3 4