الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } * { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ } * { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

قوله { وَإِن يُكَذّبُوكَ } إلخ هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزية له متضمنة للوعد له بإهلاك المكذبين له كما أهلك سبحانه المكذبين لمن كان قبله. وفيه إرشاد له صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على قومه والاقتداء بمن قبله من الأنبياء في ذلك، وقد تقدّم ذكر هذه الأمم وما كان منهم ومن أنبيائهم وكيف كانت عاقبتهم. وإنما غير النظم في قوله { وَكُذّبَ مُوسَىٰ } فجاء بالفعل مبنياً للمفعول لأن قوم موسى لم يكذبوه وإنما كذّبه غيرهم من القبط { فَأمْلَيْتُ لِلْكَـٰفِرِينَ } أي أخرت عنهم العقوبة وأمهلتهم والفاء لترتيب الإمهال على التكذيب { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ } أي أخذت كلّ فريق من المكذبين بالعذاب بعد انقضاء مدّة الإمهال { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } هذا الاستفهام للتقرير، أي فانظر كيف كان إنكاري عليهم وتغيير ما كانوا فيه من النعم وإهلاكهم، والنكير اسم من الإنكار. قال الزجاج أي ثم أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار. قال الجوهري النكير والإنكار تغيير المنكر. ثم ذكر سبحانه كيف عذّب أهل القرى المكذبة فقال { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا } أي أهلكنا أهلها، وقد تقدّم الكلام على هذا التركيب في آل عمران، وقرىء " أهلكتها " ، وجملة { وَهِيَ ظَـٰلِمَةٌ } حالية، وجملة { فَهِيَ خَاوِيَةٌ } عطف على { أهلكناها } ، لا على { ظالمة } لأنها حالية، والعذاب ليس في حال الظلم، والمراد بنسبة الظلم إليها نسبته إلى أهلها. والخواء بمعنى السقوط فهي ساقطة { عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي على سقوفها، وذلك بسبب تعطل سكانها حتى تهدّمت فسقطت حيطانها فوق سقوفها، وقد تقدّم تفسير هذه الآية في البقرة { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } معطوف على قرية، والمعنى وكم من أهل قرية، ومن أهل بئر معطلة، هكذا قال الزجاج. وقال الفراء إنه معطوف على عروشها. والمراد بالمعطلة المتروكة، وقيل الخالية عن أهلها لهلاكهم. وقيل الغائرة. وقيل معطلة من الدلاء والأرشية، والقصر المشيد هو المرفوع البنيان، كذا قال قتادة والضحاك، ويدلّ عليه قول عديّ بن زيد
شاده مرمرا وجلله كِلْـ ساً فللطير في ذراه وكور   
شاده أي رفعه. وقال سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومجاهد المراد بالمشيد المجصص، مأخوذ من الشيد، وهو الجص، ومنه قول الراجز
لا تحسبني وإن كنت أمرأ غمرا كحية الماء بين الطين والشيد   
وقيل المشيد الحصين قاله الكلبيّ. قال الجوهري المشيد المعمول بالشيد، والشيد بالكسر كلّ شيء طليت به الحائط من جصّ أو بلاط، وبالفتح المصدر، تقول شاده يشيده جصصه، والمشيد بالتشديد المطوّل. قال الكسائي المشِيد للواحد من قوله تعالى { وقصر مشيد } والمُشيِّد للجمع، من قوله تعالىفِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } النساء 78 والمعنى المعنيّ وكم من قصر مشيد معطل مثل البئر المعطلة؟ ومعنى التعطيل في القصر هو أنه معطل من أهله، أو من آلاته، أو نحو ذلك.

السابقالتالي
2 3 4