الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } * { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ }

قرأ أبو عمرو وابن كثير " يدفع " وقرأ الباقون { يدافع } وصيغة المفاعلة هنا مجرّدة عن معناها الأصلي، وهو وقوع الفعل من الجانبين كما تدلّ عليه القراءة الأخرى. وقد ترد هذه الصيغة ولا يراد بها معناها الأصلي كثيراً مثل عاقبت اللصّ ونحو ذلك، وقد قدّمنا تحقيقه. وقيل إن إيراد هذه الصيغة هنا للمبالغة. وقيل للدلالة على تكرر الواقع. والمعنى يدافع عن المؤمنين غوائل المشركين. وقيل يعلي حجتهم. وقيل يوفقهم. والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من ربّ العالمين، وأنه المتولي للمدافعة عنهم، وجملة { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } مقرّرة لمضمون الجملة الأولى، فإن المدافعة من الله لهم عن عباده المؤمنين مشعرة أتمّ إشعار بأنهم مبغضون إلى الله غير محبوبين له. قال الزجاج من ذكر غير اسم الله وتقرّب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوّان كفور، وإيراد صيغتي المبالغة للدلالة على أنهم كذلك في الواقع لا لإخراج من خان دون خيانتهم، أو كفر دون كفرهم. { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } قرىء " أذن " مبنياً للفاعل ومبنياً للمفعول وكذلك " يقاتلون " ، قرىء مبنياً للفاعل ومبنياً للمفعول، وعلى كلا القراءتين فالإذن من الله سبحانه لعباده المؤمنين بأنهم إذا صلحوا للقتال، أو قاتلهم المشركون قاتلوهم. قال المفسرون كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بألسنتهم وأيديهم، فيشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم " اصبروا فإني لم أومر بالقتال ، حتى هاجر " ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية بالمدينة، وهي أوّل آية نزلت في القتال. وهذه الآية مقرّرة أيضاً لمضمون قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ } فإن إباحة القتال لهم هي من جملة دفع الله عنهم، والباء في { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } للسببية، أي بسبب أنهم ظلموا بما كان يقع عليهم من المشركين من سب وضرب وطرد. ثم وعدهم سبحانه النصر على المشركين، فقال { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وفيه تأكيد لما مرّ من المدافعة أيضاً. ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم بِغَيْرِ حَقّ } ويجوز أن يكون بدلاً من الذين يقاتلون، أو في محل نصب على المدح، أو محل رفع بإضمار مبتدأ، والمراد بالديار مكة { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } قال سيبويه هو استثناء منقطع، أي لكن لقولهم ربنا الله أي أخرجوا بغير حق يوجب إخراجهم لكن لقولهم ربنا الله. وقال الفراء والزجاج هو استثناء متصل، والتقدير الذين أخرجوا من ديارهم بلا حق إلا بأن يقولوا ربنا الله، فيكون مثل قوله سبحانههل تنقمون منا إلا آمنا بالله } المائدة 59 وقول النابغة

السابقالتالي
2 3