الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قرأ ابن أبي إسحاق " وَٱلْبُدْنَ " بضم الباء والدال، وقرأ الباقون بإسكان الدال وهما لغتان، وهذا الاسم خاص بالإبل. وسميت بدنة لأنها تبدن، والبدانة السمن. وقال أبو حنيفة ومالك إنه يطلق على غير الإبل، والأوّل أولى لما سيأتي من الأوصاف التي هي ظاهرة في الإبل، ولما تفيده كتب اللغة من اختصاص هذا الاسم بالإبل. وقال ابن كثير في تفسيره واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعاً كما صح في الحديث { جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ } وهي ما تقدّم بيانه قريباً { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } أي منافع دينية ودنيوية كما تقدّم { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } أي على نحرها ومعنى { صَوَافَّ } أنها قائمة قد صفت قوائمها، لأنها تنحر قائمة معقولة. وأصل هذا الوصف في الخيل يقال صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاث قوائم وثنى الرابعة. وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وزيد بن أسلم وأبو موسى الأشعري " صوافي " أي خوالص لله لا تشركون به في التسمية على نحرها أحداً، وواحد صوافّ صافة، وهي قراءة الجمهور. وواحد صوافي صافية، وقرأ ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبو جعفر ومحمد بن علي " صوافن " بالنون جمع صافنة. والصافنة هي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب، ومنه قوله تعالىٱلصَّـٰفِنَـٰتُ ٱلْجِيَادُ } صۤ 31، ومنه قول عمرو بن كلثوم
تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا   
وقال الآخر
ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا   
{ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } الوجوب السقوط،أي فإذا سقطت بعد نحرها، وذلك عند خروج روحها { فَكُلُواْ مِنْهَا } ذهب الجمهور أن هذا الأمر للندب { وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰنِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } هذا الأمر قيل هو للندب كالأوّل، وبه قال مجاهد والنخعي وابن جرير وابن سريج. وقال الشافعي وجماعة هو للوجوب. واختلف في القانع من هو؟ فقيل هو السائل، يقال قنع الرجل بفتح النون يقنع بكسرها إذا سأل، ومنه قول الشماخ
لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعفّ من القنوع   
أي السؤال، وقيل هو المتعفف عن السؤال المستغني ببلغة، ذكر معناه الخليل. قال ابن السكيت من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة، وهي الرضا والتعفف وترك المسألة. وبالأوّل قال زيد بن أسلم وابنه وسعيد بن جبير والحسن، وروي عن ابن عباس. وبالثاني قال عكرمة وقتادة. وأما المعترّ، فقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي والحسن أنه الذي يتعرّض من غير سؤال. وقيل هو الذي يعتريك ويسألك. وقال مالك أحسن ما سمعت أن القانع الفقير، والمعترّ الزائر. وروي عن ابن عباس أن كليهما الذي لا يسأل، ولكن القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل، والمعترّ الذي يتعرّض لك ولا يسألك.

السابقالتالي
2 3