الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } * { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ }

محل { ذٰلِكَ } الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي الأمر ذلك، أو مبتدأ خبره محذوف، أو في محل نصب بفعل محذوف، أي افعلوا ذلك. والمشار إليه هو ما سبق من أعمال الحجّ، وهذا وأمثاله يطلق للفصل بين الكلامين أو بين طرفي كلام واحد، والحرمات جمع حرمة. قال الزجاج الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه، وهي في هذه الآية ما نهي عنها، ومنع من الوقوع فيها. والظاهر من الآية عموم كل حرمة في الحج وغيره كما يفيده اللفظ وإن كان السبب خاصاً، وتعظيمها ترك ملابستها { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } أي فالتعظيم خير له { عِندَ رَبّهِ } يعني في الآخرة من التهاون بشيء منها. وقيل إن صيغة التفضيل هنا لا يراد بها معناها الحقيقي، بل المراد أن ذلك التعظيم خير ينتفع به، فهي عدة بخير { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَـٰمُ } وهي الإبل والبقر والغنم { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي في الكتاب العزيز من المحرّمات، وهي الميتة وما ذكر معها في سورة المائدة. وقيل في قولهإِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } المائدة 1. { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } الرجس القذر، والوثن التمثال، وأصله من وثن الشيء، أي أقام في مقامه، وسمي الصليب وثناً، لأنه ينصب ويركز في مقامه، فلا يبرح عنه. والمراد اجتناب عبادة الأوثان، وسماها رجساً لأنها سبب الرجس وهو العذاب. وقيل جعلها سبحانه رجساً حكماً، والرجس النجس، وليست النجاسة وصفاً ذاتياً لها ولكنها وصف شرعي، فلا تزول إلا بالإيمان كما أنها لا تزول النجاسة الحسية إلا بالماء. قال الزجاج " من " هنا لتخليص جنس من أجناس، أي فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } الذي هو الباطل، وسمي زوراً لأنه مائل عن الحق، ومنه قوله تعالىتَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ } الكهف 17. وقولهم مدينة زوراء، أي مائلة، والمراد هنا قول الزور على العموم، وأعظمه الشرك بالله بأيّ لفظ كان. وقال الزجاج المراد بقول الزور ها هنا تحليلهم بعض الأنعام وتحريمهم بعضها، وقولهمهَـٰذَا حَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } النحل 116. وقيل المراد به شهادة الزور. وانتصاب { حُنَفَاء } على الحال، أي مستقيمين على الحق، أو مائلين إلى الحق. ولفظ حنفاء من الأضداد يقع على الاستقامة، ويقع على الميل. وقيل معناه حجاجاً، ولا وجه لهذا. { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } هو حال كالأوّل، أي غير مشركين به شيئاً من الأشياء كما يفيده الحذف من العموم، وجملة { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَاء } مبتدأة مؤكدة لما قبلها من الأمر بالاجتناب. ومعنى خرّ من السماء سقط إلى الأرض، أي انحط من رفيع الإيمان إلى حضيض الكفر { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } ، يقال خطفه إذا سلبه، ومنه قوله

السابقالتالي
2 3 4