الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } * { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }

قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } عطف المضارع على الماضي لأن المراد بالمضارع ما مضى من الصدّ، ومثل هذا قولهٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } محمد 1، أو المراد بالصدّ ها هنا الاستمرار لا مجرّد الاستقبال، فصح بذلك عطفه على الماضي، ويجوز أن تكون الواو في { ويصدّون } واو الحال، أي كفروا والحال أنهم يصدون. وقيل الواو زائدة والمضارع خبر إن والأولى أن يقدر خبر إن بعد قوله { وَٱلْبَادِ } وذلك نحو خسروا أو هلكوا. وقال الزجاج إن الخبر { نذقه من عذاب أليم } وردّ بأنه لو كان خبراً لإن لم يجزم وأيضاً لو كان خبراً لإن لبقي الشرط وهو { وَمَن يُرِدِ } بغير جواب، فالأولى أنه محذوف كما ذكرنا. والمراد بالصدّ المنع وبسبيل الله دينه، أي يمنعون من أراد الدخول في دين الله و { المسجد الحرام } ، معطوف على { سبيل الله } قيل المراد به المسجد نفسه كما هو الظاهر من هذا النظم القرآني. وقيل الحرم كله لأن المشركين صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنه يوم الحديبية. وقيل المراد به مكة بدليل قوله { ٱلَّذِي جَعَلْنَـٰهُ لِلنَّاسِ سَوَاء ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أي جعلناه للناس على العموم يصلون فيه ويطوفون به مستوياً فيه العاكف وهو المقيم فيه الملازم له، والباد أي الواصل من البادية، والمراد به الطارىء عليه من غير فرق بين كونه من أهل البادية أو من غيرهم. وانتصاب { سواء } على أنه المفعول الثاني لجعلناه، وهو بمعنى مستوياً، و { العاكف } مرتفع به، وصف المسجد الحرام بذلك لزيادة التقريع والتوبيخ للصادّين عنه، ويحتمل أن يكون انتصاب { سَوَآء } على الحال. وهذا على قراءة النصب، وبها قرأ حفص عن عاصم، وهي قراءة الأعمش، وقرأ الجمهور برفع { سواء } على أنه مبتدأ وخبره { العاكف } أو على أنه خبر مقدّم، والمبتدأ { العاكف } أي العاكف فيه والبادي سواء، وقرىء بنصب { سواء } وجرّ { العاكف } على أنه صفة للناس، أي جعلناه للناس، العاكف والبادي سواء، وأثبت الياء في البادي ابن كثير وصلا ووقفا، وحذفها أبو عمرو في الوقف، وحذفها نافع في الوصل والوقف. قال القرطبي وأجمع الناس على الاستواء في المسجد الحرام نفسه. واختلفوا في مكة فذهب مجاهد ومالك إلى أن دور مكة ومنازلها يستوي فيها المقيم والطارىء. وذهب عمر بن الخطاب وابن عباس وجماعة إلى أن للقادم أن ينزل حيث وجد، وعلى ربّ المنزل أن يؤويه شاء أم أبى. وذهب الجمهور إلى أن دور مكة ومنازلها ليست كالمسجد الحرام، ولأهلها منع الطارىء من النزول فيها. والحاصل أن الكلام في هذا راجع إلى أصلين الأصل الأوّل ما في هذه الآية هل المراد بالمسجد الحرام المسجد نفسه، أو جميع الحرم، أو مكة على الخصوص؟ والثاني هل كان فتح مكة صلحاً أو عنوة؟ وعلى فرض أن فتحها كان عنوة هل أقرّها النبيّ صلى الله عليه وسلم في يد أهلها على الخصوص؟ أو جعلها لمن نزل بها على العموم؟ وقد أوضحنا هذا في شرحنا على المنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى زيادة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7