الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } * { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } * { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } * { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } * { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }

قوله { وَزَكَرِيَّا } أي واذكر خبر زكريا وقت ندائه لربه قال { رَبّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } أي منفرداً وحيداً لا ولد لي. وقد تقدّم الكلام على هذه الآية في آل عمران { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوٰرِثِينَ } أي خير من يبقى بعد كل من يموت، فأنت حسبي إن لم ترزقني ولداً فإني أعلم أنك لا تضيع دينك وأنه سيقوم بذلك من عبادك من تختاره له وترتضيه للتبليغ { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } دعاءه { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ }. وقد تقدّم مستوفى في سورة مريم { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ }. قال أكثر المفسرين إنها كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً. فهذا هو المراد بإصلاح زوجه. وقيل كانت سيئة الخلق فجعلها الله سبحانه حسنة الخلق، ولا مانع من إرادة الأمرين جميعاً، وذلك بأن يصلح الله سبحانه ذاتها، فتكون ولوداً بعد أن كانت عاقراً، ويصلح أخلاقها فتكون أخلاقها مرضية بعد أن كانت غير مرضية، وجملة { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرٰتِ } للتعليل لما قبلها من إحسانه سبحانه إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فالضمير المذكور راجع إليهم، وقيل هو راجع إلى زكريا وامرأته ويحيـى. ثم وصفهم الله سبحانه بأنهم كانوا يدعونه { رَغَباً وَرَهَباً } أي يتضرّعون إليه في حال الرّخاء وحال الشدّة، وقيل الرغب رفع بطون الأكف إلى السماء، والرهب رفع ظهورها، وانتصاب رغباً ورهباً على المصدرية أي يرغبون رغباً ويرهبون رهباً، أو على العلة أي للرّغب والرّهب، أو على الحال، أي راغبين وراهبين. وقرأ طلحة بن مصرِّف " ويدعونا " بنون واحدة، وقرأ الأعمش بضم الراء فيهما وإسكان ما بعده، وقرأ ابن وثاب بفتح الراء فيهما مع إسكان ما بعده، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو، وقرأ الباقون بفتح الراء وفتح ما بعده فيهما { وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ } أي متواضعين متضرّعين. { وَٱلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } أي واذكر خبرها، وهي مريم، فإنها أحصنت فرجها من الحلال والحرام ولم يمسسها بشر، وإنما ذكرها مع الأنبياء وإن لم تكن منهم لأجل ذكر عيسى، وما في ذكر قصتها من الآية الباهرة { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا } أضاف سبحانه الروح إليه، وهو للملك تشريفاً وتعظيماً، وهو يريد روح عيسى { وَجَعَلْنَـٰهَا وَٱبْنَهَا ءَايَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } قال الزجاج الآية فيهما واحدة لأنها ولدته من غير فحل. وقيل إن التقدير على مذهب سيبويه وجعلناها آية وجعلنا ابنها آية كقوله سبحانهوَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } التوبة 62 والمعنى أن الله سبحانه جعل قصتهما آية تامة مع تكاثر آيات كل واحد منهما. وقيل أراد بالآية الجنس الشامل، لما لكل واحد منهما من آيات، ومعنى { أحصنت } عفت فامتنعت من الفاحشة وغيرها. وقيل المراد بالفرج جيب القميص، أي أنها طاهرة الأثواب، وقد مضى بيان مثل هذا في سورة النساء ومريم.

السابقالتالي
2 3 4