الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } * { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } * { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } * { قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } * { قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } * { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } * { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ }

قوله { وَتَٱللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ } أخبرهم أنه سينتقل من المحاجة باللسان إلى تغيير المنكر بالفعل ثقة بالله سبحانه ومحاماة على دينه. والكيد المكر، يقال كاده يكيده كيداً ومكيدة، والمراد هنا الاجتهاد في كسر الأصنام. قيل إنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك سرّاً. وقيل سمعه رجل منهم { بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } أي بعد أن ترجعوا من عبادتها ذاهبين منطلقين. قال المفسرون كان لهم عيد في كل سنة يجتمعون فيه، فقالوا لإبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فقال إبراهيم هذه المقالة. والفاء في قوله { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً } فصيحة، أي فولوا، فجعلهم جذاذاً، الجذّ القطع والكسر، يقال جذذت الشيء قطعته وكسرته، والواحد جذاذة، والجذاذ ما كسر منه. قاله الجوهري. قال الكسائي ويقال لحجارة الذهب الجذاذ لأنها تكسر. قرأ الكسائي والأعمش وابن محيصن " جذاذاً " بكسر الجيم، أي كسراً وقطعاً، جمع جذيذ، وهو الهشيم، مثل خفيف وخفاف، وظريف وظراف. قال الشاعر
جذذ الأصنام في محرابها ذاك في الله العليّ المقتدر   
وقرأ الباقون بالضم، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، أي الحطام والرفات، فعال بمعنى مفعول، وهذا هو الكيد الذي وعدهم به. وقرأ ابن عباس وأبو السماك " جذاذاً " بفتح الجيم { إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } أي للأصنام { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ } أي إلى إبراهيم { يَرْجِعُونَ } فيحاجهم بما سيأتي فيحجهم وقيل لعلهم إلى الصنم الكبير يرجعون فيسألونه عن الكاسر، لأن من شأن المعبود أن يرجع إليه في المهمات، فإذا رجعوا إليه لم يجدوا عنده خبراً، فيعلمون حينئذٍ أنها لا تجلب نفعاً ولا تدفع ضرراً، ولا تعلم بخير ولا شرّ، ولا تخبر عن الذي ينوبها من الأمر، وقيل لعلهم إلى الله يرجعون، وهو بعيد جدّاً. { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِـئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } في الكلام حذف، والتقدير فلما رجعوا من عيدهم ورأوا ما حدث بآلهتهم قالوا هذه المقالة، والاستفهام للتوبيخ. وقيل إن " من " ليست استفهامية، بل هي مبتدأ وخبرها { إنه لمن الظالمين } أي فاعل هذا ظالم، والأوّل أولى لقولهم { سَمِعْنَا فَتًى } إلخ، فإنه قال بهذا بعضهم مجيباً للمستفهمين لهم، وهذا القائل هو الذي سمع إبراهيم يقول { تَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ } ومعنى { يَذْكُرُهُمْ } يعيبهم، وقد سبق تحقيق مثل هذه العبارة، وجملة { يُقَالُ لَهُ إِبْرٰهِيمُ } صفة ثانية لفتى. قال الزجاج وارتفع إبراهيم على معنى يقال له هو إبراهيم، فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف، وقيل ارتفاعه على أنه مفعول ما لم يسمّ فاعله، وقيل مرتفع على النداء. ومن غرائب التدقيقات النحوية، وعجائب التوجيهات الإعرابية، أن الأعلم الشنتمري الأشبيلي قال إنه مرتفع على الإهمال.

السابقالتالي
2 3 4