الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } * { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ }

قوله { وَإِذَا رَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني المستهزئين من المشركين { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هزواً } أي ما يتخذونك إلا مهزوءاً بك، والهزؤ السخرية، وهؤلاء هم الذين قال الله فيهمٱلْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَـٰكَ ٱلْمُسْتَهْزِءينَ } الحجر 95 والمعنى ما يفعلون بك إلا اتخذوك هزؤاً { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ } هو على تقدير القول، أي يقولون أهذا الذي، فعلى هذا هو جواب إذا، ويكون قوله { إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هزواً } اعتراضاً بين الشرط وجوابه، ومعنى يذكرها يعيبها. قال الزجاج يقال فلان يذكر الناس، أي يغتابهم، ويذكرهم بالعيوب، وفلان يذكر الله، أي يصفه بالتعظيم ويثني عليه، وإنما يحذف مع الذكر ما عقل معناه، وعلى ما قالوا لا يكون الذكر في كلام العرب العيب، وحيث يراد به العيب يحذف منه السوء، قيل ومن هذا قول عنترة
لا تذكري مهري وما أطعمته فيكون جلدك مثل جلد الأجرب   
أي لا تعيبي مهري، وجملة { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } في محل نصب على الحال، أي وهم بالقرآن كافرون، أو هم بذكر الرحمٰن الذي خلقهم كافرون، والمعنى أنهم يعيبون على النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يذكر آلهتهم التي لا تضرّ ولا تنفع بالسوء، والحال أنهم بذكر الله سبحانه بما يليق به من التوحيد، أو القرآن كافرون، فهم أحق بالعيب لهم والإنكار عليهم، فالضمير الأوّل مبتدأ خبره كافرون، وبذكر متعلق بالخبر، والضمير الثاني تأكيد. { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } أي جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق من العجل. قال الفراء كأنه يقول بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة. وقال الزجاج خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء خلقت منه كما تقول أنت من لعب، وخلقت من لعب، تريد المبالغة في وصفه بذلك. ويدل على هذا المعنى قولهوَكَانَ ٱلإِنْسَـٰنُ عَجُولاً } الإسراء 11. والمراد بالإنسان الجنس. وقيل المراد بالإنسان آدم، فإنه لما خلقه الله ونفخ فيه الروح صار الروح في رأسه، فذهب لينهض قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه فوقع، فقيل خلق الإنسان من عجل، كذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والسديّ والكلبي ومجاهد وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني العجل الطين بلغة حمير. وأنشدوا
والنخل تنبت بين الماء والعجل   
وقيل إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث، وهو القائلٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } الأنفال 32. وقيل نزلت في قريش لأنهم استعجلوا العذاب. وقال الأخفش معنى خلق الإنسان من عجل أنه قيل له كن فكان. وقيل إن هذه الآية من المقلوب، أي خلق العجل من الإنسان وقد حكي هذا عن أبي عبيدة والنحاس، والقول الأوّل أولى { سأريكم آياتي } أي سأريكم نقماتي منكم بعذاب النار { فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } أي لا تستعجلوني بالإتيان به، فإنه نازل بكم لا محالة، وقيل المراد بالآيات ما دل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات وما جعله الله له من العاقبة المحمودة، والأوّل أولى، ويدل عليه قولهم { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي متى حصول هذا الوعد، الذي تعدنا به من العذاب، قالوا ذلك على جهة الاستهزاء والسخرية.

السابقالتالي
2 3 4