الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } * { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } * { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } * { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } * { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }

قوله { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } هؤلاء القائلون هم خزاعة، فإنهم قالوا الملائكة بنات الله، وقيل هم اليهود، ويصح حمل الآية على كل من جعل لله ولدا. وقد قالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقالت طائفة من العرب الملائكة بنات الله. ثم نزه عزّ وجلّ نفسه. فقال { سُبْحَـٰنَهُ } أي تنزيهاً له عن ذلك، وهو مقول على ألسنة العباد. ثم أضرب عن قولهم وأبطله فقال { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } أي ليسوا كما قالوا، بل هم عباد لله سبحانه مكرمون بكرامته لهم، مقرّبون عنده. وقرىء " مكرمون " بالتشديد، وأجاز الزجاج والفراء نصب عباد على معنى بل اتخذ عباداً، ثم وصفهم بصفة أخرى فقال { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } أي لا يقولون شيئاً حتى يقوله أو يأمرهم به. كذا قال ابن قتيبة وغيره، وفي هذا دليل على كمال طاعتهم وانقيادهم. وقرىء " لا يسبقونه " بضم الباء من سبقته أسبقه { وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } أي هم العاملون بما يأمرهم الله به، التابعون له المطيعون لربهم. { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } هذه الجملة تعليل لما قبلها، أي يعلم ما عملوا وما هم عاملون، أو يعلم ما بين أيديهم وهو الآخرة، وما خلفهم وهو الدنيا، ووجه التعليل أنهم إذا علموا بأنه عالم بما قدّموا وأخروا، لم يعملوا عملاً ولم يقولوا قولاً إلا بأمره { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } أي يشفع الشافعون له، وهو من رضي عنه، وقيل هم أهل لا إله إلا الله، وقد ثبت في الصحيح أن الملائكة يشفعون في الدار الآخرة { وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } أي من خشيتهم منه فالمصدر مضاف إلى المفعول، والخشية الخوف مع التعظيم، والإشفاق الخوف مع التوقع والحذر، أي لا يأمنون مكر الله. { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّي إِلَـٰهٌ مّن دُونِهِ } أي من يقل من الملائكة إني إله من دون الله. قال المفسرون عني بهذا إبليس لأنه لم يقل أحد من الملائكة إني إلٰه إلا إبليس وقيل الإشارة إلى جميع الملائكة { فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ } أي فذلك القائل على سبيل الفرض، والتقدير نجزيه جهنم بسبب هذا القول الذي قاله، كما نجزي غيره من المجرمين { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي الظالمين، أو مثل ما جعلنا جزاء هذا القائل جهنم، فكذلك نجزي الظالمين الواضعين الألوهية والعبادة في غير موضعها، والمراد بالظالمين المشركون. { أَوَ لَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الهمزة للإنكار، والواو للعطف على مقدّر، والرؤية هي القلبية، أي ألم يتفكروا أو لم يعلموا { أن ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ * كَانَتَا رَتْقاً } قال الأخفش إنما قال { كانتا } ، لأنهما صنفان أي جماعتا السمٰوات والأرضين كما قال سبحانه

السابقالتالي
2 3 4