الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } * { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } * { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } * { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } * { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } * { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ }

نبه عباده على عظيم نعمته عليهم بقوله { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً } يعني القرآن { فِيهِ ذِكْرُكُمْ } صفة لـ { كتاباً } ، والمراد بالذكر هنا الشرف، أي فيه شرفكم كقولهوَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } الزخرف 44 وقيل { فيه ذكركم } أي ذكر أمر دينكم، وأحكام شرعكم وما تصيرون إليه من ثواب أو عقاب. وقيل فيه حديثكم، قاله مجاهد. وقيل مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم. وقيل فيه العمل بما فيه حياتكم. قاله سهل بن عبد الله. وقيل فيه موعظتكم، والاستفهام في { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } للتوبيخ والتقريع، أي أفلا تعقلون أن الأمر كذلك، أو لا تعقلون شيئاً من الأشياء التي من جملتها ما ذكر. ثم أوعدهم وحذرهم ما جرى على الأمم المكذبة، فقال { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَـٰلِمَةً } " كم " في محل نصب على أنها مفعول { قصمنا } وهي الخبرية المفيدة للتكثير. والقصم كسر الشيء ودقه، يقال قصمت ظهر فلان إذا كسرته، واقتصمت سنه إذا انكسرت، والمعنى هنا الإهلاك والعذاب. وأما الفصم بالفاء فهو الصدع في الشيء من غير بينونة، وجملة { كَانَتْ ظَـٰلِمَةً } في محل جرّ صفة لقرية، وفي الكلام مضاف محذوف، أي وكم قصمنا من أهل قرية كانوا ظالمين، أي كافرين بالله مكذبين بآياته، والظلم في الأصل وضع الشيء في غير موضعه، وهم وضعوا الكفر في موضع الإيمان { وأنشأنا بعدها قوماً آخرين } أي أوجدنا وأحدثنا بعد إهلاك أهلها قوماً ليسوا منهم. { فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا } أي أدركوا أو رأوا عذابنا، وقال الأخفش خافوا وتوقعوا، أو البأس العذاب الشديد { إِذَا هُمْ مّنْهَا يَرْكُضُونَ } الركض الفرار والهرب والانهزام، وأصله من ركض الرجل الدابة برجليه، يقال ركض الفرس إذا كدّه بساقيه، ثم كثر حتى قيل ركض الفرس إذا عدا، ومنه " ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ " صۤ 42 والمعنى أنهم يهربون منها راكضين دوابهم. فقيل لهم { لاَ تَرْكُضُواْ } أي لا تهربوا. قيل إن الملائكة نادتهم بذلك عند فرارهم. وقيل إن القائل لهم ذلك هم من هنالك من المؤمنين استهزاء بهم وسخرية منهم { وَٱرْجِعُواْ إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ } أي إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم وكفركم، والمترف المنعم، يقال أترف فلان، أي وسع عليه في معاشه { وَمَسَـٰكِنِكُمْ } أي وارجعوا إلى مساكنكم التي كنتم تسكنونها وتفتخرون بها { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي تقصدون للسؤال والتشاور والتدبير في المهمات، وهذا على طريقة التهكم بهم والتوبيخ لهم. وقيل المعنى لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة فتخبرون به وقيل لعلكم تسألون أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول العذاب بكم. قال المفسرون وأهل الأخبار إن المراد بهذه الآية أهل حضور من اليمن، وكان الله سبحانه قد بعث إليهم نبياً اسمه شعيب بن مهدم، وقبره بجبل من جبال اليمن يقال له ضنن، وبينه وبين حضور نحو بريد، قالوا وليس هو شعيباً صاحب مدين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6