الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } * { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } * { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } * { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } * { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } * { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } * { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

بيّن سبحانه حال معبودهم يوم القيامة فقال { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } وهذا خطاب منه سبحانه لأهل مكة، والمراد بقوله { وما تعبدون } الأصنام التي كانوا يعبدون. قرأ الجمهور { حصب } بالصاد المهملة، أي وقود جهنم وحطبها، وكل ما أوقدت به النار أو هيجتها به فهو حصب، كذا قال الجوهري. قال أبو عبيدة كل ما قذفته في النار فقد حصبتها به، ومثل ذلك قوله تعالىفَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } البقرة 24. وقرأ عليّ بن أبي طالب وعائشة " حطب جهنم " بالطاء، وقرأ ابن عباس " حضب " بالضاد المعجمة. قال الفراء ذكر لنا أن الحضب في لغة أهل اليمن الحطب، ووجه إلقاء الأصنام في النار مع كونها جمادات لا تعقل ذلك ولا تحسّ به التبكيت لمن عبدها وزيادة التوبيخ لهم وتضاعف الحسرة عليهم. وقيل إنها تحمى فتلصق بهم زيادة في تعذيبهم، وجملة { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } إما مستأنفة أو بدل من { حصب جهنم } والخطاب لهم ولما يعبدون تغليباً، واللام في { لها } للتقوية لضعف عمل اسم الفاعل. وقيل هي بمعنى على، والمراد بالورود هنا الدخول. قال كثير من أهل العلم ولا يدخل في هذه الآية عيسى وعزير والملائكة، لأن { ما } لمن لا يعقل، ولو أراد العموم لقال ومن يعبدون. قال الزجاج ولأن المخاطبين بهذه الآية مشركو مكة دون غيرهم. { لَوْ كَانَ هَـؤُلاء ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا } أي لو كانت هذه الأصنام آلهة كما تزعمون، ما وردوها أي ما ورد العابدون هم والمعبودون النار، وقيل ما ورد العابدون فقط، لكنهم وردوها فلم يكونوا آلهة، وفي هذا تبكيت لعباد الأصنام وتوبيخ شديد { وَكُلٌّ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } أي كلّ العابدين والمعبودين في النار خالدون لا يخرجون منها { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } أي لهؤلاء الذين وردوا النار، والزفير صوت نفس المغموم، والمراد هنا الأنين والتنفس الشديد، وقد تقدّم بيان هذا في هود. { وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } أي لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدّة الهول. وقيل لا يسمعون شيئاً، لأنهم يحشرون صماً كما قال سبحانهوَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا } الإسراء 97. وإنما سلبوا السماع، لأن فيه بعض تروّح وتأنس، وقيل لا يسمعون ما يسرهم، بل يسمعون ما يسوؤهم. ثم لما بيّن سبحانه حال هؤلاء الأشقياء شرع في بيان حال السعداء فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } أي الخصلة الحسنى التي هي أحسن الخصال وهي السعادة. وقيل التوفيق، أو التبشير بالجنة، أو نفس الجنة. { أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } إشارة إلى الموصوفين بتلك الصفة { عَنْهَا } أي عن جهنم { مُبْعَدُونَ } لأنهم قد صاروا في الجنة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8