الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } * { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } * { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } * { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً } * { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً } * { خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً }

جملة { قَالَ يَـا هَـٰرُونَ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر، والمعنى أن موسى لما وصل إليهم أخذ بشعور رأس أخيه هارون وبلحيته وقال { مَا مَنَعَكَ } من اتباعي واللحوق بي عند أن وقعوا في هذه الضلالة ودخلوا في الفتنة. وقيل معنى { مَا مَنَعَكَ... ألا تتبعن } ما منعك من اتباعي في الإنكار عليهم. وقيل معناه هلا قاتلتهم إذ قد علمت أني لو كنت بينهم لقاتلتهم. وقيل معناه هلا فارقتهم. و " لا " في { ألا تتبعن } زائدة، وهو في محل نصب على أنه مفعول ثانٍ لمنع، أي أيّ شيء منعك حين رؤيتك لضلالهم من اتباعي، والاستفهام في { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } للإنكار والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره، والمعنى كيف خالفت أمري لك بالقيام لله ومنابذة من خالف دينه وأقمت بين هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلٰهاً؟ وقيل المراد بقوله { أمري } هو قوله الذي حكى الله عنهوَقَالَ مُوسَىٰ لأخِيهِ هَـٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } الأعراف 142 فلما أقام معهم ولم يبالغ في الإنكار عليهم نسبه إلى عصيانه. { قَالَ يَـا ٱبْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } قرىء بالفتح والكسر للميم، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة الأعراف. ونسبه إلى الأمّ مع كونه أخاه لأبيه وأمه، عند الجمهور استعطافاً له وترقيقاً لقلبه، ومعنى { وَلاَ بِرَأْسِي } ولا بشعر رأسي، أي لا تفعل هذا بي عقوبة منك لي، فإن لي عذراً هو { إِنّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرءيلَ } أي خشيت إن خرجت عنهم وتركتهم أن يتفرقوا فتقول إني فرقت جماعتهم وذلك لأن هارون لو خرج لتبعه جماعة منهم وتخلف مع السامريّ عند العجل آخرون، وربما أفضى ذلك إلى القتال بينهم، ومعنى { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } ولم تعمل بوصيتي لك فيهم، إني خشيت أن تقول فرّقت بينهم، وتقول لم تعمل بوصيتي لك فيهم وتحفظها، ومراده بوصية موسى له هو قولهٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ } الأعراف 142. قال أبو عبيد معنى { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } ولم تنتظر عهدي وقدومي لأنك أمرتني أن أكون معهم، فاعتذر هارون إلى موسى ها هنا بهذا، واعتذر إليه في الأعراف بما حكاه الله عنه هنالك حيث قالإِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى } الأعراف 150. ثم ترك موسى الكلام مع أخيه وخاطب السامريّ فقَال { فَمَا خَطْبُكَ يٰسَـٰمِرِيُّ } أي ما شأنك وما الذي حملك على ما صنعت { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي قال السامريّ مجيباً على موسى رأيت ما لم يروا أو علمت بما لم يعلموا وفطنت لما لم يفطنوا له، وأراد بذلك أنه رأى جبريل على فرس الحياة فألقى في ذهنه أن يقبض قبضة من أثر الرسول، وأن ذلك الأثر لا يقع على جماد إلا صار حياً.

السابقالتالي
2 3 4