الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } * { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } * { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } * { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ }

قوله { قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ } يقال آمن له وآمن به، فمن الأوّل قولهفَـئَامَنَ لَهُ لُوطٌ } العنكبوت 26، ومن الثاني قوله في الأعرافءامَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذن لكم } الأعراف 123. وقيل إن الفعل هنا متضمن معنى الاتباع. وقرىء على الاستفهام التوبيخي، أي كيف آمنتم به من غير إذن مني لكم بذلك؟ { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسّحْرَ } أي إن موسى لكبيركم، أي أسحركم وأعلاكم درجة في صناعة السحر، أو معلمكم وأستاذكم كما يدلّ عليه قوله { ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسّحْرَ } قال الكسائي الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه قال جئت من عند كبيري. وقال محمد بن إسحاق إنه لعظيم السحر. قال الواحدي والكبير في اللغة الرئيس، ولهذا يقال للمعلم الكبير. أراد فرعون بهذا القول أن يدخل الشبهة على الناس حتى لا يؤمنوا، وإلا فقد علم أنهم لم يتعلموا من موسى، ولا كان رئيساً لهم، ولا بينه وبينهم مواصلة { فَلأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ } أي والله لأفعلنّ بكم ذلك. والتقطيع للأيدي والأرجل من خلاف هو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، و " من " للابتداء { وَلأُصَلّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } أي على جذوعها كقولهأَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } الطور 38 أي عليه، ومنه قول سويد بن أبي كاهل
هم صلبوا العبديّ في جذع نخلة فلا عطست شيبان إلا بأجدعا   
وإنما آثر كلمة " فِي " للدلالة على استقرارهم عليها كاستقرار المظروف في الظرف { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } أراد لتعلمنّ هل أنا أشدّ عذاباً لكم أم موسى؟ ومعنى { أبقى } أدوم، وهو يريد بكلامه هذا الاستهزاء بموسى، لأن موسى لم يكن من التعذيب في شيء، ويمكن أن يريد العذاب الذي توعدهم به موسى إن لم يؤمنوا. وقيل أراد بموسى ربّ موسى على حذف المضاف. { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءنَا مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ } أي لن نختارك على ما جاءنا به موسى من البينات الواضحة من عند الله سبحانه كاليد والعصا. وقيل إنهم أرادوا بالبينات ما رأوه في سجودهم من المنازل المعدّة لهم في الجنة { وَٱلَّذِي فَطَرَنَا } معطوف على { ما جاءنا } أي لن نختارك على ما جاءنا به موسى من البينات وعلى الذي فطرنا، أي خلقنا. وقيل هو قسم، أي والله الذي فطرنا لن نؤثرك، أو لا نؤثرك، وهذان الوجهان في تفسير الآية ذكرهما الفراء والزجاج { فَٱقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ } هذا جواب منهم لفرعون لما قال لهم { لأقطعنّ } إلخ، والمعنى فاصنع ما أنت صانع، واحكم ما أنت حاكم، والتقدير ما أنت صانعه { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } أي إنما سلطانك علينا ونفوذ أمرك فينا في هذه الدنيا ولا سبيل لك علينا فيما بعدها، فاسم الإشارة في محل نصب على الظرفية أو على المفعولية و " ما " كافة، وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل ما بمعنى الذي، أي أن الذي تقضيه هذه الحياة الدنيا فقضاؤك وحكمك منحصر في ذلك.

السابقالتالي
2 3