الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } * { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } * { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } * { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } * { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } * { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ }

لما سأل موسى ربه سبحانه أن يشرح صدره وييسر له أمره ويحلل عقدة من لسانه ويجعل له وزيراً من أهله أخبره الله سبحانه بأنه قد أجاب ذلك الدعاء، فقال { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } أي أعطيت ما سألته، والسؤل المسؤول، أي المطلوب، كقولك خبر بمعنى مخبور، وزيادة قوله { يا موسى } لتشريفه بالخطاب مع رعاية الفواصل، وجملة { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } كلام مستأنف لتقوية قلب موسى بتذكيره نعم الله عليه، والمنّ الإحسان والإفضال، والمعنى ولقد أحسنا إليك مرّة أخرى قبل هذه المرّة، وهي حفظ الله سبحانه له من شرّ الأعداء كما بينه سبحانه ها هنا، وأخرى تأنيث آخر بمعنى غير. { إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّكَ مَا يُوحَىٰ } أي مننا ذلك الوقت وهو وقت الإيحاء، فإذ ظرف للإيحاء، والمراد بالإيحاء إليها إما مجرّد الإلهام لها، أو في النوم بأن أراها ذلك، أو على لسان نبيّ، أو على لسان ملك، لا على طريق النبوّة كالوحي إلى مريم، أو بإخبار الأنبياء المتقدمين بذلك وانتهى الخبر إليها، والمراد بما يوحى ما سيأتي من الأمر لها، أبهمه أوّلاً، وفسّره ثانياً تفخيماً لشأنه، وجملة { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } مفسرة لأن الوحي فيه معنى القول، أو مصدرية على تقدير بأن اقذفيه، والقذف ها هنا الطرح، أي اطرحيه في التابوت وقد مرّ تفسير التابوت في البقرة في قصة طالوت { فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمّ } أي اطرحيه في البحر، واليم البحر أو النهر الكبير. قال الفراء هذا أمر وفيه المجازاة، أي اقذفيه يلقه اليم بالساحل، والأمر للبحر مبني على تنزيله منزلة من يفهم ويميز، لما كان إلقاؤه إياه بالساحل أمراً واجب الوقوع. والساحل هو شط البحر، سمي ساحلاً، لأن الماء سحله، قاله ابن دريد. والمراد هنا ما يلي الساحل من البحر لا نفس الساحل، والضمائر هذه كلها لموسى لا للتابوت، وإن كان قد ألقي معه لكن المقصود هو موسى مع كون الضمائر قبل هذا وبعده له، وجملة { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } جواب الأمر بالإلقاء، والمراد بالعدوّ فرعون، فإن أمّ موسى لما ألقته في البحر، وهو النيل المعروف، وكان يخرج منه نهر إلى دار فرعون، فساقه الله في ذلك النهر إلى داره، فأخذ التابوت فوجد موسى فيه وقيل إن البحر ألقاه بالساحل فنظره فرعون فأمر من يأخذه. وقيل وجدته ابنة فرعون، والأوّل أولى. { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى } أي ألقى الله على موسى محبة كائنة منه تعالى في قلوب عباده لا يراه أحد إلا أحبه. وقيل جعل عليه مسحة من جمال لا يراه أحد من الناس إلا أحبه. وقال ابن جرير المعنى وألقيت عليك رحمتي.

السابقالتالي
2 3 4 5