الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } * { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } * { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } * { قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ } * { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ } * { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } * { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } * { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } * { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } * { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } * { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } * { هَارُونَ أَخِي } * { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } * { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } * { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } * { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } * { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }

قوله { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } قال الزجاج والفراء إن { تلك } اسم ناقص وصلت { بيمينك } أي ما التي بيمينك؟ وروي عن الفراء أنه قال تلك بمعنى هذه، ولو قال ما ذلك لجاز، أي ما ذلك الشيء؟ وبالأوّل قال الكوفيون. قال الزجاج ومعنى سؤال موسى عمّا في يده من العصا التنبيه له عليها لتقع المعجزة بها بعد التثبيت فيها والتأمل لها. قال الفراء ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى هي عصاي لتثبيت الحجة عليه بعد ما اعترف، وإلا فقد علم الله ما هي في الأزل، ومحل «ما» الرفع على الابتداء، و { تلك } خبره، و { بيمينك } في محل نصب على الحال إن كانت تلك اسم إشارة على ما هو ظاهر اللفظ، وإن كانت اسماً موصولاً كان { بيمينك } صلة للموصول. { قَالَ هِيَ عَصَايَ } قرأ ابن أبي إسحاق " عصى " على لغة هذيل. وقرأ الحسن " عَصَايَ " بكسر الياء لالتقاء الساكنين { أتوكأ عليها } أي أتحامل عليها في المشي وأعتمدها عند الإعياء والوقوف، ومنه الاتكاء. { وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي } هش بالعصا يهش هشاً إذا خبط بها الشجر ليسقط منه الورق. قال الشاعر
أهش بالعصا على أغنامي من ناعم الأوراك والشام   
وقرأ النخعي " أهس " بالسين المهملة، وهو زجر الغنم، وكذا قرأ عكرمة، وقيل هما لغتان لمعنى واحد { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } أي حوائج، واحدها مَأْرَبَة ومَأْرُبُة ومأربة مثلث الراء، كذا قال ابن الأعرابي وقطرب، ذكر تفصيل منافع العصا، ثم عقبه بالإجمال. وقد تعرّض قوم لتعداد منافع العصا، فذكروا من ذلك أشياء منها قول بعض العرب عصاي أركزها لصلاتي، وأعدّها لعداتي، وأسوق بها دابتي، وأقوى بها على سفري، وأعتمد بها في مشيتي، ليتسع خطوي، وأثب بها النهر، وتؤمنني العثر، وألقي عليها كسائي، فتقيني الحرّ، وتدفيني من القرّ، وتدني إليّ ما بعد مني وهي تحمل سفرتي، وعلاقة إداوتي، أعصي بها عند الضراب، وأقرع بها الأبواب، وأقي بها عقور الكلاب، وتنوب عن الرمح في الطعان، وعن السيف عند منازلة الأقران، ورثتها عن أبي وأورثها بعدي بنيّ. انتهى. وقد وقفت على مصنف في مجلد لطيف في منافع العصا لبعض المتأخرين، وذكر فيه أخباراً وأشعاراً وفوائد لطيفة ونكتاً رشيقة. وقد جمع الله سبحانه لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به من كيد السحرة ومعرّة المعاندين، واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته، وكان ابن مسعود صاحب عصا النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنزته، وكان يخطب بالقضيب وكذلك الخلفاء من بعده، وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا والاعتماد عليها عند الكلام، وفي المحافل والخطب. { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ } هذه جملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر، أمره سبحانه بإلقائها ليريه ما جعل له فيها من المعجزة الظاهرة { فَأَلْقَـٰهَا } موسى على الأرض { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } وذلك بقلب الله سبحانه لأوصافها وأعراضها حتى صارت حية تسعى، أي تمشي بسرعة وخفة، قيل كانت عصا ذات شعبتين فصار الشعبتان فما وباقيها جسم حية، تنتقل من مكان إلى مكان وتلتقم الحجارة مع عظم جرمها وفظاعة منظرها، فلما رآها كذلك خاف وفزع وولى مدبراً ولم يعقب، فعند ذلك { قَالَ } سبحانه { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلأولَىٰ } قال الأخفش والزجاج التقدير إلى سيرتها، مثل

السابقالتالي
2 3 4