الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } * { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } * { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } * { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ }

قوله { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } الاستفهام للتقريع والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدّر، كما مرّ غير مرّة، والجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها وفاعل يهد هو الجملة المذكورة بعدها، والمفعول محذوف، وأنكر البصريون مثل هذا لأن الجمل لا تقع فاعلاً، وجوّزه غيرهم. قال القفال جعل كثرة ما أهلك من القرون مبيناً لهم. قال النحاس وهذا خطأ لأن " كم " استفهام، فلا يعمل فيها ما قبلها. وقال الزجاج المعنى أو لم يهد لهم الأمر بإهلاكنا من أهلكناه، وحقيقته تدل على الهدى، فالفاعل هو الهدى، وقال " كَمْ " في موضع نصب بـ { أهلكنا }. وقيل إن فاعل { يهد } ضمير للّه أو للرسول، والجملة بعده تفسره، ومعنى الآية على ما هو الظاهر أفلم يتبين لأهل مكة خبر من { أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ ٱلْقُرُونِ } حال كون القرون { يَمْشُونَ فِي مَسَـٰكِنِهِمْ } ويتقلبون في ديارهم، أو حال كون هؤلاء يمشون من مساكن القرون الذين أهلكناهم عند خروجهم للتجارة وطلب المعيشة، فيرون بلاد الأمم الماضية، والقرون الخالية خاوية خاربة من أصحاب الحجر وثمود وقرى قوم لوط، فإن ذلك مما يوجب اعتبارهم، لئلا يحل بهم مثل ما حل بأولئك، وقرأ ابن عباس والسلمي " نهد " بالنون، والمعنى على هذه القراءة واضح، وجملة { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأوْلِي ٱلنُّهَىٰ } تعليل للإنكار وتقرير للهداية، والإشارة بقوله { ذلك } إلى مضمون { كم أهلكنا } إلى آخره. والنهى جمع نهية، وهي العقل، أي لذوي العقول التي تنهى أربابها عن القبيح. { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ } أي ولولا الكلمة السابقة، وهي وعد الله سبحانه بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الدار الآخرة { لَكَانَ } عقاب ذنوبهم { إلزاماً } أي لازماً لهم، لا ينفك عنهم بحال ولا يتأخر. وقوله { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } معطوف على { كلمة } قاله الزجاج وغيره والأجل المسمى هو يوم القيامة، أو يوم بدر، واللزام مصدر لازم. قيل ويجوز عطف { وأجل مسمى } على الضمير المستتر في كان العائد إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق تنزيلاً للفصل بالخبر منزلة التأكيد، أي لكان الأخذ العاجل { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود، وفيه تعسف ظاهر. ثم لما بين الله سبحانه أنه لا يهلكهم بعذاب الاستئصال أمره بالصبر، فقال { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } من أنك ساحر كذاب، ونحو ذلك أن مطاعنهم الباطلة، والمعنى لا تحتفل بهم، فإن لعذابهم وقتاً مضروباً لا يتقدّم ولا يتأخر. وقيل هذا منسوخ بآية القتال { وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ } أي متلبساً بحمده. قال أكثر المفسرين والمراد الصلوات الخمس كما يفيد قوله { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } فإنه إشارة إلى صلاة الفجر { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } فإنه إشارة إلى صلاة العصر { وَمِنْ ءَانَاء ٱلَّيْلِ } العتمة، والمراد بالآناء الساعات، وهي جمع إني بالكسر والقصر، وهو الساعة، ومعنى { فَسَبّحْ } أي فصلّ { وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ } أي المغرب والظهر لأن الظهر في آخر طرف النهار الأول، وأوّل طرف النهار الآخر.

السابقالتالي
2 3 4 5