الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } * { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } * { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } * { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } * { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } * { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } * { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } * { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ }

قوله { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ } معطوف على قوله { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ } أي مثل ذلك الإنزال أنزلناه، أي القرآن حال كونه { قُرْءَاناً عَرَبِيّاً } أي بلغة العرب ليفهموه { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } بينا فيه ضروباً من الوعيد تخويفاً وتهديداً أو كررنا فيه بعضاً منه { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي كي يخافوا الله فيتجنبوا معاصيه ويحذروا عقابه { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } أي اعتباراً واتعاظاً. وقيل ورعاً. وقيل شرفاً. وقيل طاعة وعبادة لأن الذكر يطلق عليها. وقرأ الحسن " أو نحدث " بالنون. { فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } لما بين للعباد عظيم نعمته عليهم بإنزال القرآن نزّه نفسه عن مماثلة مخلوقاته في شيء من الأشياء، أي جلّ الله عن إلحاد الملحدين وعما يقول المشركون في صفاته فإنه الملك الذي بيده الثواب والعقاب، وأنه الحق أي ذو الحق { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } أي يتمّ إليك وحيه. قال المفسرون كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي حرصاً منه على ما كان ينزل عليه منه فنهاه الله عن ذلك، ومثله قولهلاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } القيامة 16. على ما يأتي إن شاء الله. وقيل المعنى ولا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله، وقرأ ابن مسعود ويعقوب والحسن والأعمش " من قبل أن نقضي " بالنون ونصب " وحيه ". { وَقُل رَّبّ زِدْنِي عِلْماً } أي سل ربك زيادة العلم بكتابه. { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ ءَادَمَ } اللام هي الموطئة للقسم، والجملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها من تصريف الوعيد، أي لقد أمرناه ووصيناه، والمعهود محذوف، وهو ما سيأتي من نهيه عن الأكل من الشجرة، ومعنى { مِن قَبْلُ } أي من قبل هذا الزمان { فَنَسِيَ } قرأ الأعمش بإسكان الياء، والمراد بالنسيان هنا ترك العمل بما وقع به العهد إليه فيه، وبه قال أكثر المفسرين. وقيل النسيان على حقيقته، وأنه نسي ما عهد الله به إليه وينتهي عنه، وكان آدم مأخوذاً بالنسيان في ذلك الوقت، وإن كان النسيان مرفوعاً عن هذه الأمة. والمراد من الآية تسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم على القول الأوّل، أي أن طاعة بني آدم للشيطان أمر قديم، وأن هؤلاء المعاصرين له إن نقضوا العهد فقد نقض أبوهم آدم، كذا قال ابن جرير والقشيري. واعترضه ابن عطية قائلاً بأن كون آدم مماثلاً للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء، وقرىء " فنسي " بضم النون وتشديد السين مكسورة مبنياً للمفعول، أي فنساه إبليس { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } العزم في اللغة توطين النفس على الفعل والتصميم عليه، والمضيّ على المعتقد في أيّ شيء كان، وقد كان آدم عليه السلام قد وطن نفسه على أن لا يأكل من الشجرة وصمم على ذلك، فلما وسوس إليه إبليس لانت عريكته وفتر عزمه وأدركه ضعف البشر.

السابقالتالي
2 3 4