الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } * { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } * { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }

الظرف وهو { يَوْمَ يُنفَخُ } متعلق بمقدّر هو اذكر. وقيل هو بدل من يوم القيامة، والأوّل أولى. قرأ الجمهور { ينفخ } بضم الياء التحتية مبنياً للمفعول، وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق بالنون مبنياً للفاعل، واستدلّ أبو عمرو على قراءته هذه بقوله { ونحشر } فإنه بالنون، وقرأ ابن هرمز " ينفخ " بالتحتية مبنياً للفاعل على أن الفاعل هو الله سبحانه أو إسرافيل، وقرأ أبو عياض " في الصور " بفتح الواو جمع صورة، وقرأ الباقون بسكون الواو. وقرأ طلحة بن مصرف والحسن " يُحْشَرُ " بالياء التحتية مبنياً للمفعول ورفع { المجرمين } وهو خلاف رسم المصحف، وقرأ الباقون بالنون. وقد سبق تفسير هذا في الأنعام. والمراد بالمجرمين المشركون والعصاة المأخوذون بذنوبهم التي لم يغفرها الله لهم، والمراد بـ { يَوْمَئِذٍ } يوم النفخ في الصور. وانتصاب { زرقاً } على الحال من المجرمين، أي زرق العيون، والزرقة الخضرة في العين كعين السنور والعرب تتشاءم بزرقة العين، وقال الفراء { زرقاً } أي عميا. وقال الأزهري عطاشاً، وهو قول الزجاج، لأن سواد العين يتغير بالعطش إلى الزرقة. وقيل إنه كني بقوله { زرقاً } عن الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة. وقيل هو كناية عن شخوص البصر من شدّة الخوف، ومنه قول الشاعر
لقد زرقت عيناك يا بن معكبر كما كل ضبي من اللؤم أزرق   
والقول الأوّل أولى، والجمع بين هذه الآية وبين قولهوَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا } الإسراء 97. ما قيل من أن ليوم القيامة حالات ومواطن تختلف فيها صفاتهم ويتنوع عندها عذابهم، وجملة { يَتَخَـٰفَتُونَ بَيْنَهُمْ } في محل نصب على الحال، أو مستأنفة لبيان ما هم فيه في ذلك اليوم، والخفت في اللغة السكون، ثم قيل لمن خفض صوته خفته. والمعنى يتساررون، أي يقول بعضهم لبعض سرّاً { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } أي ما لبثتم في الدنيا إلا عشر ليالِ. وقيل في القبور. وقيل بين النفختين، والمعنى أنهم يستقصرون مدة مقامهم في الدنيا، أو في القبور، أو بين النفختين لشدّة ما يرون من أهوال القيامة. وقيل المراد بالعشر عشر ساعات. ثم لما قالوا هذا القول قال الله سبحانه { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي أعدلهم قولاً وأكملهم رأياً وأعلمهم عند نفسه { إن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } أي ما لبثتم إلا يوماً واحداً، ونسبة هذا القول إلى أمثلهم لكونه أدلّ على شدّة الهول، لا لكونه أقرب إلى الصدق. { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } أي عن حال الجبال يوم القيامة، وقد كانوا سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً } قال ابن الأعرابي وغيره يقلعها قلعاً من أصولها، ثم يصيرها رملاً يسيل سيلاً، ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا، ثم كالهباء المنثور.

السابقالتالي
2 3 4