الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }

هذه الآية قد أجمع المفسرون على أنها نزلت في اليهود. قال ابن جرير الطبري وأجمع أهل التأويل جميعاً أن هذه الآية نزلت جواباً على اليهود إذ زعموا أن جبريل عدوّ لهم، وأن ميكائيل وليّ لهم. ثم اختلفوا ما كان سبب قولهم ذلك؟ فقال بعضهم إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر نبوّته، ثم ذكر روايات في ذلك ستأتي آخر البحث إن شاء الله. والضمير في قوله { فَإِنَّهُ } يحتمل، وجهين الأوّل أن يكون لله، ويكون الضمير في قوله { نَزَّلَهُ } لجبريل، أي فإن الله سبحانه نزل جبريل على قلبك، وفيه ضعف كما يفيده قوله { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ }. الثاني أنه لجبريل، والضمير في { نزله } للقرآن، أي فإن جبريل نزل القرآن على قلبك، وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل، والعلم. وقوله { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } أي بعلمه، وإرادته، وتيسيره، وتسهيله، و { مَا بَيْنَ يَدَيْهِ } هو التوراة كما سلف، أو جميع الكتب المنزلة، وفي هذا الدليل على شرف جبريل، وارتفاع منزلته، وأنه لا وجه لمعاداة اليهود له، حيث كان منه ما ذكر من تنزيل الكتاب على قلبك، أو من تنزيل الله له على قلبك، وهذا هو وجه الربط بين الشرط، والجواب، أي من كان معادياً لجبريل منهم، فلا وجه لمعاداته له، فإنه لم يصدر منه إلا ما يوجب المحبة دون العداوة، أو من كان معادياً له، فإن سبب معاداته أنه وقع منه ما يكرهونه من التنزيل، وليس ذلك بذنب له، وإن نزهوه، فإن هذه الكراهة منهم له بهذا السبب ظلم، وعدوان لأن هذا الكتاب الذي نزل به هو مصدق لكتابهم، وهدى، وبشرى للمؤمنين. ثم أتبع سبحانه هذا الكلام بجملة مشتملة على شرط، وجزاء يتضمن الذمّ لمن عادى جبريل بذلك السبب، والوعيد الشديد له فقال { مَن كَانَ عَدُوّاً لّلَّهِ وَمَلـئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَـٰفِرِينَ } والعداوة من العبد هي صدور المعاصي منه لله، والبغض لأوليائه، والعداوة من الله للعبد هي تعذيبه بذنبه، وعدم التجاوز عنه، والمغفرة له، وإنما خص جبريل، وميكائيل بالذكر بعد ذكر الملائكة لقصد التشريف لهما، والدلالة على فضلهما، وأنهما، وإن كانا من الملائكة، فقد صارا باعتبار ما لهما من المزية بمنزلة جنس آخر أشرف من جنس الملائكة، تنزيلاً للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما ذكره صاحب الكشاف، وقرره علماء البيان. وفي جبريل عشر لغات ذكرها ابن جرير الطبري، وغيره، وقد قدّمنا الإشارة إلى ذلك. وفي ميكائيل ست لغات، وهما اسمان عجميان، والعرب إذا نطقت بالعجمي تساهلت فيه.

السابقالتالي
2