الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ }

{ وَلَمَّا جَاءهُمُ } يعني اليهود { كِتَابٌ } يعني القرآن، و { مُّصَدّقٌ } وصف له، وهو في مصحف أبي منصور، ونصبه على الحال، وإن كان صاحبها نكرة، فقد تخصصت بوصفها بقوله { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } وتصديقه لما معهم من التوراة، والإنجيل أنه يخبرهم بما فيهما، ويصدقه، ولا يخالفه، والاستفتاح الاستنصار، أي كانوا من قبل يطلبون من الله النصر على أعدائهم، بالنبيّ المنعوت في آخر الزمان الذي يجدون صفته عندهم في التوراة، وقيل الاستفتاح هنا بمعنى الفتح، أي يخبرونهم بأنه سيبعث، ويعرّفونهم بذلك. وجواب «لما» في قوله { وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَـٰبٌ } قيل هو قوله { فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ } وما بعده، وقيل هو محذوف، أي كذبوا، أو نحوه، كذا قال الأخفش، والزجاج. وقال المبرّد إن جواب «لما» الأولى هو قوله { كَفَرُواْ } وأعيدت «لما» الثانية لطول الكلام، واللام في الكافرين للجنس. ويجوز أن تكون للعهد، ويكون هذا من وضع الظاهر موضع المضمر. والأوّل أظهر. و«ما» في قوله { بِئْسَمَا } موصولة، أو موصوفة، أي بئس الشيء، أو شيئاً { ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ } قاله سيبويه. وقال الأخفش «ما» في موضع نصب على التمييز كقولك بئس رجلاً زيد. وقال الفراء بئسما بجملته شيء واحد رُكب كحبذا. وقال الكسائي «ما»، و«اشتروا» بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه، والتقدير بئس اشتراؤهم أن يكفروا. وقوله { أَن يَكْفُرُواْ } في موضع رفع على الابتداء عند سيبويه، وخبره ما قبله. وقال الفراء، والكسائي إن شئت كان في موضع خفض بدلاً من الهاء في به، أي اشتروا أنفسهم بأن يكفروا، وقال في الكشاف إن «ما» نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس، بمعنى شيئاً اشتروا به أنفسهم، والمخصوص بالذم أن يكفروا، واشتروا بمعنى باعوا. وقوله { بَغِيّاً } أي حسداً. قال الأصمعي البغي مأخوذ من قولهم قد بغى الجرح إذا فسد، وقيل أصله الطلب، ولذلك سميت الزانية بغياً. وهو علة لقوله { ٱشْتَرَوُاْ } وقوله { أَن يُنَزِّلَ } علة لقوله { بَغِيّاً } أي لأن ينزل. والمعنى أنهم باعوا أنفسهم بهذا الثمن البخس حسداً، ومنافسة { أَن يُنَزّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب، وابن محيصن «أن ينزل» بالتخفيف. { فباءوا } أي رجعوا، وصاروا أحقاء { بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ } وقد تقدّم معنى باءوا، ومعنى الغضب. قيل الغضب، الأول لعبادتهم العجل، والثاني لكفرهم بمحمد. وقيل كفرهم بعيسى، ثم كفرهم بمحمد. وقيل كفرهم بمحمد، ثم البغي عليه وقيل غير ذلك. والمهين مأخوذ من الهوان، قيل وهو ما اقتضى الخلود في النار. وقوله { بِمَا أنزَلَ ٱللَّهُ } هو القرآن، وقيل كل كتاب، أي صدّقوا بالقرآن، أو صدّقوا بما أنزل الله من الكتب { قَالُواْ نُؤْمِنُ } أي نصدّق { بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا } أي التوراة.

السابقالتالي
2 3