الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } * { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله { مِنْهُمْ } أي من اليهود. والأمي منسوب إلى الأمة الأمية، التي هي على أصل، ولادتها من أمهاتها، لم تتعلم الكتابة، ولا تحسن القراءة للمكتوب، ومنه حديث " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وقال أبو عبيدة إنما قيل لهم أميون لنزول الكتاب عليهم، كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب، فكأنه قال ومنهم أهل الكتاب. وقيل هم نصارى العرب. وقيل هم قوم كانوا أهل كتاب فرفع كتابهم لذنوب ارتكبوها وقيل هم المجوس، وقيل غير ذلك. والراجح الأوّل. ومعنى { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ أَمَانِىَّ } أنه لا علم لهم به إلا ما هم عليه من الأماني التي يتمنونها، ويعللون بها أنفسهم. والأمانيّ جمع أمنية، وهي ما يتمناه الإنسان لنفسه، فهؤلاء لا علم لهم بالكتاب الذي هو التوراة لما هم عليه من كونهم لا يكتبون، ولا يقرءون المكتوب. والاستثناء منقطع، أي لكن الأمانيّ ثابتة لهم من كونهم مغفوراً لهم بما يدّعونه لأنفسهم من الأعمال الصالحة، أو بما لهم من السلف الصالح في اعتقادهم. وقيل الأمانيّ الأكاذيب، كما سيأتي عن ابن عباس. ومنه قول عثمان بن عفان ما تمنيت منذ أسلمت، أي ما كذبت، حكاه عنه القرطبي في تفسيره، وقيل الأماني التلاوة، ومنه قوله تعالىإِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِى أُمْنِيَّتِهِ } الحج 52 أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته، أي لا علم لهم إلا مجرد التلاوة من دون تفهم وتدبر، ومنه قول كعب بن مالك
تمنى كتابَ اللهِ أوّلَ لَيْلةٍ وأخِرَه لاقى حِمامَ المقادر   
وقال آخر
تمنَّى كتابَ الله آخِرَ لَيْلةٍ تَمنِّي داودَ الزَّبُورَ على رِسْلَ   
وقيل الأماني التقدير. قال الجوهري يقال مني له، أي قدّر، ومنه قول الشاعر
لا تأمنَنَّ وإن أمسيتَ في حَرَم حتى تُلاقِي ما يَمْنِي لك المانِي   
أي يقدر لك المقدر. قال في الكشاف " والاشتقاق من مَنّي إذا قدّر لأن المتمني يقدر في نفسه، ويجوّز ما يتمناه، وكذلك المختلق، والقارىء يقدران كلمة كذا بعد كذا ". انتهى. و«إن» في قوله { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } نافية، أي ما هم. والظن هو التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم. كذا في القاموس. أي ما هم إلا يترددون بغير جزم، ولا يقين، وقيل الظن هنا بمعنى الكذب. وقيل هو مجرد الحدس، لما ذكر الله سبحانه أهل العلم منهم بأنهم غير عاملين بل يحرّفون كلام الله من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون، ذكر أهل الجهل منهم بأنهم يتكلمون على الأماني، ويعتمدون على الظن، الذي لا يقفون من تقليدهم على غيره، ولا يظفرون بسواه.

السابقالتالي
2 3 4