الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }

قوله { أَفَتَطْمَعُونَ } هذا الاستفهام فيه معنى الإنكار، كأنه آيسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود. والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو له ولهم. و { يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } أي لأجلكم، أو على تضمين آمن معنى استجاب، أي أتطمعون أن يستجيبوا لكم. والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه. و { كَلاَمَ ٱللَّهِ } أي التوراة. وقيل إنهم سمعوا خطاب الله لموسى حين كلمه، وعلى هذا فيكون الفريق هم السبعون الذين اختارهم موسى، وقرأ الأعمش { كلم الله }. والمراد من التحريف أنهم عمدوا إلى ما سمعوه من التوراة، فجعلوا حلاله حراماً، أو نحو ذلك مما فيه موافقة لأهوائهم كتحريفهم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسقاط الحدود عن أشرافهم، أو سمعوا كلام الله لموسى فزادوا فيه، ونقصوا، وهذا إخبار عن إصرارهم على الكفر، وإنكار على من طمع في إيمانهم، وحالهم هذه الحال أي ولهم سلف حرفوا كلام الله، وغيروا شرائعه، وهم مقتدون بهم، متبعون سبيلهم. ومعنى قوله { مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } أي من بعد ما فهموه بعقولهم مع كونهم يعلمون أن ذلك الذي، فعلوه تحريف مخالف لما أمرهم الله به من بليغ شرائعه كما هي، فهم وقعوا في المعصية عالمين بها، وذلك أشد لعقوبتهم، وأبين لضلالهم. { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني أن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا { قَالُواْ ءامَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } أي إذا خلا الذين لم ينافقوا بالمنافقين قالوا لهم عاتبين عليهم { أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي حكم عليكم من العذاب، وذلك أن ناساً من اليهود أسلموا، ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذّب به آباؤهم، وقيل إن المراد ما فتح الله عليهم في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم معنى خلا. والفتح عند العرب القضاء، والحكم، والفتاح القاضي بلغة اليمن. والفتح النصر، ومن ذلك قوله تعالىيَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } البقرة 89 وقولهإِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ } الأنفال 19 ومن الأوّلثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقّ } سبأ 26وأنت خير الفاتحين } الأعراف 89 أي الحاكمين، ويكون الفتح بمعنى الفرق بين الشيئين، والمحاجة إبراز الحجة، أي لا تخبروهم بما حكم الله به عليكم من العذاب، فيكون ذلك حجة لهم عليكم، فيقولون نحن أكرم على الله منكم، وأحق بالخير منه. والحجة، الكلام المستقيم، وحاججت فلاناً، فحججته أي غلبته بالحجة. { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ما فيه الضرر عليكم من هذا التحدث الواقع منكم لهم. ثم وبخهم الله سبحانه { أَولا * يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } من جميع أنواع الإسرار وأنواع الإعلان، ومن ذلك إسرارهم الكفر، وإعلانهم الإيمان.

السابقالتالي
2 3