الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

قد تقدم ما ذكرناه في قصة ذبح البقرة، فيكون تقدير الكلام { وَإِذَا * قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } فقال موسى لقومه { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } إلى آخر القصة، وبعدها { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } الآية. وقال الرازي في تفسيره اعلم أن وقوع القتل لا بد أن يكون متقدماً لأمره تعالى بالذبح، فأما الإخبار عن وقوع ذلك القتل، وعن أنه لا بدّ أن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة، فلا يجب أن يكون متقدماً على الإخبار عن قصة البقرة، فقول من يقول هذه القصة يجب أن تكون متقدمة في التلاوة على الأولى، خطأ لأن هذه القصة في نفسها يجب أن تكون متقدمة على الأولى في الوجود، فأما التقدم في الذكر، فغير واجب لأنه تارة يقدم ذكر السبب على ذكر الحكم، وأخرى على العكس من ذلك، فكأنهم لما وقعت تلك الواقعة أمرهم الله بذبح البقرة، فلما ذبحوها قال وإذ قتلتم نفساً من قبل، ونسب القتل إليهم بكون القاتل منهم. وأصل ادّارأتم تدارأتم، ثم أدغمت التاء في الدال، ولما كان الابتداء بالمدغم الساكن لا يجوز زادوا ألف الوصل، ومعنى ادّارأتم اختلفتم وتنازعتم لأن المتنازعين يدرأ بعضهم بعضاً، أي يدفعه، ومعنى { مُخْرِجٌ } مظهر أي ما كتمتم بينكم من أمر القتل، فالله مظهره لعباده، ومبينه لهم، وهذه الجملة معترضة بين أجزاء الكلام، أي فادّارأتم فيها فقلنا. واختلف في تعيين البعض الذي أمروا أن يضربوا القتيل به، ولا حاجة إلى ذلك مع ما فيه من القول بغير علم، ويكفينا أن نقول أمرهم الله بأن يضربوه ببعضها، فأيّ بعض ضربوا به، فقد فعلوا ما أمروا به، وما زاد على هذا، فهو من فضول العلم، إذ لم يرد به برهان. قوله { كَذٰلِكَ يُحِيىٰٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } في الكلام حذف، والتقدير { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } فأحياه الله { كَذٰلِكَ * يَحْيَىٰ * ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } أي إحياء كمثل هذا الإحياء. { وَيُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ } أي علاماته، ودلائله الدالة على كمال قدرته، وهذا يحتمل أن يكون خطاباً لمن حضر القصة، ويحتمل أن يكون خطاباً للموجودين عند نزول القرآن. والقسوة الصلابة واليبس، وهي عبارة عن خلوّها من الإنابة، والإذعان لآيات الله، مع وجود ما يقتضى خلاف هذه القسوة من إحياء القتيل، وتكلمه، وتعيينه لقاتله، والإشارة بقوله { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } إلى ما تقدم من الآيات الموجبة لِلين القلوب ورقتها. قيل «أو» في قوله { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } بمعنى الواو كما في قوله تعالىآثماً أَوْ كَفُوراً } الأَنسان 24 وقيل هي بمعنى بل، وعلى أن «أو» على أصلها، أو بمعنى الواو، فالعطف على قوله { كَٱلْحِجَارَةِ } أي هذه القلوب هي كالحجارة أو هي أشدّ قسوة منها، فشبهوها بأيّ الأمرين شئتم، فإنكم مصيبون في هذا التشبيه، وقد أجاب الرازي في تفسيره عن وقوع «أو» ههنا مع كونها للترديد، أي لا يليق لعلام الغيوب بثمانية أوجه، وإنما توصل إلى أفعل التفضيل بأشدّ مع كونه يصح أن يقال وأقسى من الحجارة، لكونه أبين وأدلّ على فرط القسوة، كما قاله في الكشاف.

السابقالتالي
2 3