الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } * { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }

قوله { وَإِذْ أَخَذْنَا } هو في محل نصب بعامل مقدر، هو اذكروا، كما تقدم غير مرة. وقد تقدّم تفسير الميثاق، والمراد أنه أخذ سبحانه عليهم الميثاق بأن يعملوا بما شرعه لهم في التوراة، وبما هو أعم من ذلك، أو أخص. والطور اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، وأنزل عليه التوراة فيه. وقيل هو اسم لكل جبل بالسريانية. وقد ذكر كثير من المفسرين أن موسى لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح قال لهم اسم خذوها، والتزموها. فقالوا لا، إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك. فُصعِقوا، ثم أحيوا، فقال لهم خذوها، والتزموها، فقالوا لا، فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلاً من جبال فلسطين، طوله فرسخ في مثله، وكذلك كان عسكرهم، فجعل عليهم مثل الظلة، وأتُوا ببحر من خلفهم، ونار من قبل وجوههم، وقيل لهم خذوها، وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها، وإلا سقط عليكم الجبل، فسجدوا توبة لله، وأخذوا التوراة بالميثاق. p>> قال ابن جرير عن بعض العلماء لو أخذوها أوّل مرة لم يكن عليهم ميثاق. قال ابن عطية والذي لا يصح سواه أن الله سبحانه اخترع وقت سجودهم الإيمان، لا أنهم آمنوا كرهاً، وقلوبهم غير مطمئنة. انتهى. وهذا تكلُّف ساقط حمله عليه المحافظة على ما قد ارتسم لديه من قواعد مذهبية قد سكن قلبه إليها كغيره، وكل عاقل يعلم أنه لا سبب من أسباب الإكراه أقوى من هذا، أو أشد منه، ونحن نقول أكرههم الله على الإيمان، فآمنوا مكرهين، ورفع عنهم العذاب بهذا الإيمان، وهو نظير ما ثبت في شرعنا من رفع السيف عمن تكلم بكلمة الإسلام، والسيف مصلت قد هزَّه حامله على رأسه، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن قتل من تكلم بكلمة الإسلام معتذراً عن قتله بأنه قالها تقية، ولم تكن عن قصد صحيح " أأنت فتشت عن قلبه " وقال " لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس " وقوله { خُذُواْ } أي وقلنا لهم { خذوا مَا ءاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍ } والقوّة الجدّ والاجتهاد. والمراد بذكر ما فيه أن يكون محفوظاً عندهم ليعملوا به.p>> قوله { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } أصل التولي الإدبار عن الشيء، والإعراض بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعاً ومجازاً، والمراد هنا إعراضهم عن الميثاق المأخوذ عليهم، وقوله { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد البرهان لهم، والترهيب بأشد ما يكون، وأعظم ما تجوزه العقول، وتقدر الأفهام، وهو رفع الجبل فوق رءوسهم كأنه ظلة عليهم. وقوله { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } بأن تدارككم بلطفه، ورحمته، حتى أظهرتم التوبة لخسرتم.

السابقالتالي
2 3