الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } * { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

قرأ أبو عمرو " وعدنا " بغير ألف، ورجحه أبو عبيدة، وأنكر «واعدنا» قال لأن المواعدة إنما تكون من البشر، فأما من الله فإنما هو التفرّد بالوعد على هذا وجدنا القرآن كقولهوَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقّ } إبراهيم 22 وقولهوَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّائِفَتَيْنِ } الأنفال 7 ومثله، قال أبو حاتم ومكي وإنما قالوا هكذا نظراً إلى أصل المفاعلة، أنها تفيد الاشتراك في أصل الفعل، وتكون من كل واحد من المتواعدين، ونحوهما، ولكنها قد تأتي للواحد في كلام العرب كما في قولهم داويت العليل، وعاقبت اللص، وطارقت النعل، وذلك كثير في كلامهم. وقرأه الجمهور { واعدنا } قال النحاس وهي أجود، وأحسن، وليس قولهوَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } المائدة 9، النور 55 من هذا في شيء لأن واعدنا موسى إنما هو من باب الموافاة، وليس هو من الوعد والوعيد في شيء، وإنما هو من قولك موعدك يوم الجمعة، وموعدك موضع كذا والفصيح في هذا أن يقال، واعدته. قال الزجاج واعدنا بالألف ها هنا جيد لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فمن الله سبحانه وعد، ومن موسى قبول. قوله { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } قال الزجاج التقدير تمام أربعين ليلة، وهي عند أكثر المفسرين ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، وإنما خص الليالي بالذكر دون الأيام لأن الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة. ومعنى قوله { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ } أي جعلتم العجل إلهاً من بعده، أي من بعد مضي موسى إلى الطور. وقد ذكر بعض المفسرين أنهم عدوا عشرين يوماً، وعشرين ليلة. وقالوا قد اختلف موعده، فاتخذوا العجل، وهذا غير بعيد منهم، فقد كانوا يسلكون طرائق من التعنت خارجة عن قوانين العقل، مخالفة لما يخاطبون به، بل ويشاهدونه بأبصارهم، فلا يقال كيف تعدون الأيام، والليالي على تلك الصفة، وقد صرح لهم في الوعد بأنها أربعون ليلة، وإنما سماهم ظالمين لأنهم أشركوا بالله، وخالفوا موعد نبيهم عليهم السلام، والجملة في موضع نصب على الحال. وقوله { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي من بعد عبادتكم العجل، وسمي العجل عجلاً، لاستعجالهم عبادته كذا قيل، وليس بشيء لأن العرب تطلق هذا الاسم على ولد البقر. وقد كان جعله لهم السامريّ على صورة العجل. وقوله { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي لكي تشكروا ما أنعم الله به عليكم، من العفو عن ذنبكم العظيم الذي وقعتم فيه. وأصل الشكر في اللغة الظهور، من قولهم دابة شكور إذ ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف. قال الجوهري الشكر الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف، يقال شكرته وشكرت له، وباللام أفصح، وقد تقدّم معناه، والشكران خلاف الكفران. والكتاب التوراة بالإجماع من المفسرين.

السابقالتالي
2 3