الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } * { وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

قوله { يَـٰبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } قد تقدم تفسيره، وإنما كرر ذلك سبحانه توكيداً للحجة عليهم، وتحذيراً لهم من ترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قرنه بالوعيد، وهو قوله { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا } ، وقوله { وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ } معطوف على مفعول اذكروا أي اذكروا نعمتي، وتفضيلي لكم على العالمين، قيل المراد بالعالمين عالم زمانهم، وقيل على جميع العالمين بما جعل، فيهم من الأنبياء. وقال في الكشاف على الجمّ الغفير من الناس كقولهبَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَـٰلَمِينَ } الأنبياء 71 يقال رأيت عالماً من الناس يراد الكثرة. انتهى. قال الرازي في تفسيره وهذا ضعيف لأن لفظ العالم مشتق من العلم، وهو الدليل، وكل ما كان دليلاً على الله كان علماً، وكان من العالم، وهذا تحقيق قول المتكلمين العالم كل موجود سوى الله، وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالم ببعض المحدثات. انتهى. وأقول هذا الاعتراض ساقط، أما أوّلا، فدعوى اشتقاقه من العلم لا برهان عليه، وأما ثانياً فلو سلمنا صحة هذا الاشتقاق كان المعنى موجوداً بما يتحصل معه مفهوم الدليل على الله الذي يصح إطلاق اسم العلم عليه، وهو كائن في كل فرد من أفراد المخلوقات التي يستدل بها على الخالق، وغايته أن جميع العالم يستلزم أن يكونوا مفضلين على أفراد كثيرة من المحدثات وأما أنهم مفضلون على كل المحدثات في كل زمان، فليس في اللفظ ما يفيد هذا، ولا في اشتقاقه ما يدل عليه، وأما من جعل العالم أهل العصر، فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصور، لا على أهل كل عصر، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين، فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا على ما بعده من العصور، ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسير قوله تعالىإِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَالَمِينَ } المائدة 20 وعند قوله تعالىوَلَقَدِ ٱخْتَرْنَـٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } الدخان 32 وعند قوله تعالىإِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرٰهِيمَ وَءالَ عِمْرٰنَ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } آل عمران 33 فإن قيل إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم. قلت لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزماً لكونهم أفضل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالىكُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } آل عمران 110 فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات. وقوله { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا } أمر معناه الوعيد، وقد تقدم معنى التقوى. والمراد باليوم يوم القيامة أي عذابه. وقوله { لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } في محل نصب صفة ليوم، والعائد محذوف. قال البصريون في هذا وأمثاله تقديره فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5