الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }

قيل هم مؤمنو أهل الكتاب، فإنهم جمعوا بين الإيمان بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزله على من قبله وفيهم نزلت. وقد رجح هذا ابن جرير، ونقله السدي في تفسيره عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة، واستشهد له ابن جرير بقوله تعالىوَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ } آل عمران 119 وبقوله تعالىٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُواْ ءامَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّنَا إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَـئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } الآية القصص 52 ــ 54. والآية الأولى نزلت في مؤمني العرب. وقيل الآيتان جميعاً في المؤمنين على العموم. وعلى هذا فهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى صفة للمتقين بعد صفة، ويجوز أن تكون مرفوعة على الاستئناف، ويجوز أن تكون معطوفة على المتقين فيكون التقدير هدى للمتقين وللذين يؤمنون بما أنزل إليك. والمراد بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن. وما أنزل من قبله هو الكتب السالفة. والإيقان إيقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه، قاله في الكشاف. والمراد أنهم يوقنون بالبعث والنشور وسائر أمور الآخرة من دون شك. والآخرة تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول، وهي صفة الدار كما في قوله تعالىتِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى ٱلاْرْضِ وَلاَ فَسَاداً } القصص 83 وفي تقديم الظرف مع بناء الفعل على الضمير المذكور إشعار بالحصر، وأن ما عدا هذا الأمر الذي هو أساس الإيمان ورأسه ليس بمستأهل للإيقان به، والقطع بوقوعه. وإنما عبر بالماضي مع أنه لم ينزل إذ ذاك إلا البعض لا الكل تغليباً للموجود على ما لم يوجد، أو تنبيهاً على تحقق الوقوع كأنه بمنزلة النازل قبل نزوله. وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } أي يصدقونك بما جئت به من الله، وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم، ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم { وَبِٱلأْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } إيماناً بالبعث، والقيامة، والجنة، والنار، والحساب، والميزان، أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاء من ربك. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه. والحق أن هذه الآية في المؤمنين كالتي قبلها، وليس مجرد ذكر الإيمان بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما أنزل إلى من قبله بمقتض لجعل ذلك وصفاً لمؤمني أهل الكتاب، ولم يأت ما يوجب المخالفة لهذا ولا في النظم القرآني ما يقتضي ذلك. وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين في غير آية. فمن ذلك قوله تعالىيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى أَنَزلَ مِن قَبْلُ } النساء 136 وكقولهوَقُولُواْ ءامَنَّا بِٱلَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } العنكبوت 46، وقولهآمن الرسول بما انزل إليه مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ } البقرة 285، وقالوَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ } النساء 152.