الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

{ ٱسْكُنْ } أي اتخذ الجنة مسكناً وهو محل السكون. وأما ما قاله بعض المفسرين من أن في قوله { اسكن } تنبيهاً على الخروج لأن السكنى لا تكون ملكاً، وأخذ ذلك من قول جماعة من العلماء أن من أسكن رجلاً منزلاً له، فإنه لا يملكه بذلك، وإن له أن يخرجه منه، فهو معنى عرفي، والواجب الأخذ بالمعنى العربي، إذا لم تثبت في اللفظ حقيقة شرعية. و { أَنتَ } تأكيد للضمير المستكن في الفعل، ليصح العطف عليه، كما تقرّر في علم النحو، أنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المستكنّ إلا بعد تأكيده بمنفصل. وقد يجيء العطف نادراً بغير تأكيد كقول الشاعر
قلتُ إذَا أقْبَلتْ وزُهْرُ تَهَادى كَنِعاج المَلا تَعسَّفْنَ رَمْلا   
وقوله { وَزَوْجُكَ } أي حوّاء، وهذه هي اللغة الفصيحة زوج بغير هاء، وقد جاء بها قليلاً كما في صحيح مسلم من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه، فمرّ به رجل، فدعاه وقال يا فلان هذه زوجتي فلانة " الحديث، ومنه قول الشاعر
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستميلها   
و { رَغَدًا } بفتح المعجمة، وقرأ النخعي، وابن وثاب بسكونها، والرغد العيش الهنيء الذي لا عناء فيه، وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف. و { حَيْثُ } مبنية على الضم، وفيها لغات كثيرة مذكورة في كتب العربية. والقرب الدنّو، قال في الصحاح قرب الشيء بالضم يَقْرُب قُرْباً أي دنا، وقَرِبته بالكسر أقربه قرباناً أي دنوت منه، وقَرَبْتُ أقْرب قِرِابَةً مثل كتبت أكتب كتابة إذا سرت إلى الماء، وبينك، وبينه ليلة. والاسم القرب. قال الأصمعي قلت لأعرابي ما القرب؟ قال سير الليل لورود الغد. والنهي عن القرب فيه سدّ للذريعة، وقطع للوسيلة، ولهذا جاء به عوضاً عن الأكل، ولا يخفى أن النهي عن القرب لا يستلزم النهي عن الأكل، لأنه قد يأكل من ثمر الشجرة من هو بعيد عنها إذا يحمل إليه، فالأولى أن يقال المنع من الأكل مستفاد من المقام. والشجر ما كان له ساق من نبات الأرض، وواحده شجرة، وقرىء بكسر الشين، وبالياء المثناة من تحت مكان الجيم. وقرأ ابن محيصن «هذي» بالياء بدل الهاء وهو الأصل. واختلف أهل العلم في تفسير هذه الشجرة، فقيل هي الكرم. وقيل السنبلة، وقيل التين، وقيل الحنطة، وسيأتي ما روى عن الصحابة، فمن بعدهم في تعيينها. وقوله { فَتَكُونَا } معطوف على { تَقْرَبَا } في الكشاف، أو نصب في جواب النهي، وهو الأظهر. والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه. والأرض المظلومة التي لم تحفر قط، ثم حفرت، ورجل ظليم شديد الظلم. والمراد هنا { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } لأنفسهم بالمعصية، وكلام أهل العلم في عصمة الأنبياء، واختلاف مذاهبهم في ذلك مدوّن في مواطنه، وقد أطال البحث في ذلك الرازي في تفسيره في هذا الموضع، فليرجع إليه، فإنه مفيد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8