الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

{ آدم } أصله أأدم بهمزتين، إلا أنهم ليَّنُوا الثانية، وإذا حركت قلبت واو، كما قالوا في الجمع أوادم، قاله الأخفش. واختلف في اشتقاقه فقيل من أديم الأرض، وهو وجهها. وقيل من الأدمة، وهي السمرة. قال في الكشاف وما آدم إلا اسم عجميّ، وأقرب أمره أن يكون على فاعل كآزر، وعازر، وعابر، وشالخ، وفالغ، وأشباه ذلك. و { ٱلأسْمَاء } هي العبارات، والمراد أسماء المسميات، قال بذلك أكثر العلماء، وهو المعنى الحقيقي للاسم. والتأكيد بقوله { كُلَّهَا } يفيد أنه علمه جميع الأسماء، ولم يخرج عن هذا شيء منها كائناً ما كان. وقال ابن جرير إنها أسماء الملائكة وأسماء ذرية آدم، ثم رجع هذا، وهو غير راجح. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أسماء الذرية. وقال الربيع بن خيثم أسماء الملائكة. واختلف أهل العلم هل عرض على الملائكة المسميات، أو الأسماء؟ والظاهر الأوّل لأن عرض نفس الأسماء غير واضح. وعرض الشيء إظهاره، ومنه عرض الشيء للبيع. وإنما ذكر ضمير المعروضين تغليباً للعقلاء على غيرهم. وقرأ ابن مسعود «عَرضهنّ» وقرأ أبَي «عرضها» وإنما رجع ضمير " عرضهم " إلى مسميات مع عدم تقدم ذكرها لأنه قد تقدّم ما يدل عليها، وهو أسماؤها. قال ابن عطية والذي يظهر أن الله علَّم آدم الأسماء، وعرض عليه مع ذلك الأجناس أشخاصاً، ثم عرض تلك على الملائكة، وسألهم عن أسماء مسمياتها التي قد تعلمها آدم، فقال لهم آدم هذا اسمه كذا، وهذا اسمه كذا. قال الماوردي فكان الأصح توجه العرض إلى المسمين. ثم في زمن عرضهم قولان أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم. الثاني أنه صوّرهم لقلوب الملائكة، ثم عرضهم. وأما أمره سبحانه للملائكة بقوله { أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } فهذا منه تعالى لقصد التبكيت لهم مع علمه بأنهم يعجزون عن ذلك. والمراد { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبؤني، كذا قال المبرد،. وقال أبو عبيد، وابن جرير إن بعض المفسرين قال معنى { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } إذ كنتم، قالا وهذا خطأ. ومعنى { أنبئوني } أخبروني. فلما قال لهم ذلك اعترفوا بالعجز، والقصور { سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا }. وسبحان منصوب على المصدرية عند الخليل وسيبويه، وقال الكسائي هو منصوب على أنه منادى مضاف، وهذا ضعيف جداً. والعليم للمبالغة والدلالة على كثرة المعلومات. والحكيم صيغة مبالغة في إثبات الحكمة له. ثم أمر الله سبحانه آدم أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة فعجزوا، واعترفوا بالقصور، ولهذا قال سبحانه { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ } الآية. قال فيما تقدمأَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 30 ثم قال هنا { أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ } تدرّجاً من المجمل إلى ما هو مبين بعض بيان، ومبسوط بعض بسط، وفي اختصاصه بعلم غيب السموات، والأرض ردّ لما يتكلفه كثير من العباد من الإطلاع على شيء من علم الغيب كالمنجمين، والكهان، وأهل الرمل، والسحر، والشعوذة.

السابقالتالي
2