الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ إِذْ } من الظروف الموضوعة للتوقيت، وهي للمستقبل، وإذا للماضي، وقد توضع إحداهما موضع الأخرى. وقال المبرّد هي مع المستقبل للمضيّ، ومع الماضي للاستقبال. وقال أبو عبيدة إنها هنا زائدة. وحكاه الزَّجَّاج وابن النحاس وقالا هي ظرف زمان ليست مما يزاد، وهي هنا في موضع نصب بتقدير اذكر، أو بقالوا. وقيل هو متعلق بـ { خلق لكم } البقرة 29، وليس بظاهر، والملائكة جمع ملَكَ بوزن فَعَل، قاله ابن كيسان. وقيل جمع مَلأك بوزن مَفْعَل، قاله أبو عبيدة، من لأك إذا أرسل، والألوكة الرسالة. قال لبيد
وغُلامٍ أرسَلتْهُ أمهُ بَألوكَ فَبَذلنَا مَا سَأل   
وقال عدي بن زيد
أبلغِ النُّعمانَ عَنِي مألكاً أنَّه قَدْ طَال حَبْسِي وَانتِظَاري   
ويقال ألكني أي أرسلني. وقال النضر بن شميل لا اشتقاق لملك عند العرب، والهاء في الملائكة تأكيد لتأنيث الجمع، ومثله الصلادمة، والصلادم الخيل الشداد واحدها صلدم. وقيل هي للمبالغة، كعلامة ونسَّابة و { جَاعِلٌ } هنا من جعل المتعدي إلى مفعولين. وذكر المطرزي أنه بمعنى خالق، وذلك يقتضي أنه متعدّ إلى مفعول واحد، والأرض هنا هي هذه الغبراء، ولا يختص ذلك بمكان دون مكان، وقيل إنها مكة. والخليفة هنا معناه الخالف لمن كان قبله من الملائكة، ويجوز أن يكون بمعنى المخلوف، أي يخلفه غيره قيل هو آدم. وقيل كل من له خلافة في الأرض، ويقوى الأوّل قوله { خليفة } دون خلائف، واستغنى بآدم عن ذكر من بعده. قيل خاطب الله الملائكة بهذا الخطاب لا للمشورة، ولكن لاستخراج ما عندهم. وقيل خاطبهم بذلك لأجل أن يصدر منهم ذلك السؤال، فيجابون بذلك الجواب، وقيل لأجل تعليم عباده مشروعية المشاورة لهم. وأما قولهم { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } فظاهره أنهم استنكروا استخلاف بني آدم في الأرض، لكونهم مظنة للإفساد في الأرض، وإنما قالوا هذه المقالة قبل أن يتقدم لهم معرفة ببني آدم، بل قبل وجود آدم، فضلاً عن ذريته، لعلم قد علموه من الله سبحانه بوجه من الوجوه، لأنهم لا يعلمون الغيب قال بهذا جماعة من المفسرين. وقال بعض المفسرين إن في الكلام حذفاً، والتقدير إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا، فقالوا { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ويسفك الدماء } وقوله { يُفْسِدُ } قائم مقام المفعول الثاني. والفساد ضدّ الصلاح. وسفك الدم صبه، قاله ابن فارس، والجوهري، ولا يستعمل السفك إلا في الدم. وواحد الدماء دم، وأصله دمى حذف لامه، وجملة { ونحن نسبح بحمدك } حالية. والتسبيح في كلام العرب التنزيه، والتبعيد من السوء على وجه التعظيم. قال الأعشى
أقُولُ َلمَّا جَاءني فَخْرُه سُبْحَان مَن عَلْقَمة الفَاخِرِ   
و { بِحَمْدِكَ } في موضع الحال، أي حامدين لك، وقد تقدم معنى الحمد.

السابقالتالي
2 3