الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله { بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ } أي بِجَمِيع ما أنزل الله { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } عطف على الرسول، وقوله { كُلٌّ } أي من الرسول والمؤمنين { آمن بالله } ويجوز أن يكون قوله { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } مبتدأ. وقوله { كُلٌّ } مبتدأ ثان. وقوله { آمن بالله } خبر المبتدأ الثاني، وهو وخبره خبر المبتدأ الأوّل. وأفرد الضمير في قوله { آمن بالله } مع رجوعه إلى كل المؤمنين، لما أن المراد بيان إيمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع، كما اعتبر ذلك في قوله تعالىوَكُلٌّ أَتَوْهُ دٰخِرِينَ } النمل 87. قال الزجاج لما ذكر الله سبحانه في هذه السورة فرض الصلاة، والزكاة، وبين أحكام الحج، وحكم الحيض، والطلاق، والإيلاء، وأقاصيص الأنبياء، وبين حكم الربا، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله { للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلاْرْضِ } ثم ذكر تصديق نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك، فقال { آمن ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } أي صدّق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها، وكذلك المؤمنون كلهم صدّقوا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وقيل سبب نزولها الآية التي قبلها. وقد تقدّم بيان ذلك. قوله { وَمَلَـئِكَتِهِ } أي من حيث كونهم عباده المكرّمين المتوسطين بينه، وبين أنبيائه في إنزال كتبه، وقوله { وَكُتُبِهِ } لأنها المشتملة على الشرائع التي تَعبَّد بها عباده. وقوله { وَرُسُلِهِ } لأنهم المبلغون لعباده ما نُزَّل إليهم. وقرأ نافع، وابن كثير، وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر، وكتبه بالجمع. وقرءوا في التحريم، و " كتابه ". وقرأ ابن عباس هنا، و " كتابه " ، وكذلك قرأ حمزة، والكسائي، وروى عنه أنه قال الكتاب أكثر من الكتب. وبينه صاحب الكشاف، فقال لأنه إذا أريد بالواحد الجنس، والجنسية قائمة في وجدان الجنس كلها لم يخرج منه شيء، وأما الجمع، فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع. انتهى. ومن أراد تحقيق المقام، فليرجع إلى شرح التلخيص المطوّل عند قول صاحب التلخيص «واستغراق المفرد أشمل». وقرأ الجمهور { ورسُله } بضم السين. وقرأ أبو عمرو، بتخفيف السين. وقرأ الجمهور { لا نفرّق } بالنون. والمعنى يقولون لا نفرق. وقرأ سعيد بن جبير، ويحيى بن يعمر، وأبو زرعة، وابن عمر، وابن جرير، ويعقوب «لا يفرق» بالياء التحتية. وقوله { بَيْنَ أَحَدٍ } ولم يقل بين آحاد، لأن الأحد يتناول الواحد، والجمع، كما في قوله تعالىفَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ } الحاقة 47 فوصفه بقوله { حَـٰجِزِينَ } لكونه في معنى الجمع، وهذه الجملة يجوز أن تكون في محل نصب على الحال، وأن تكون خبراً آخر لقوله { كُلٌّ }. وقوله { مِن رُسُلِهِ } أظهر في محل الإضمار للاحتراز عن توهم اندراج الملائكة في الحكم، أو الإشعار بعلة عدم التفريق بينهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6