الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي قوا أنفسكم من عقابه، واتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا، وظاهره أنه أبطل من الربا ما لم يكن مقبوضاً. قوله { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } قيل هو شرط مجازي على جهة المبالغة، وقيل إنَّ «إنّ» في هذه الآية بمعنى " إذ ". قال ابن عطية وهو مردود لا يعرف في اللغة، والظاهر أن المعنى إن كنتم مؤمنين على الحقيقة، فإن ذلك يستلزم امتثال أوامر الله ونواهيه. قوله { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } يعني ما أمرتم به من الاتقاء، وترك ما بقي من الربا { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي فاعلموا بها، من أذن بالشيء إذا علم به، قيل هو من الإذن بالشيء، وهو الاستماع، لأنه من طرق العلم. وقرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة { فأذنوا } على معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهم، وقد دلت هذه على أن أكل الربا، والعمل به من الكبائر، ولا خلاف في ذلك، وتنكير الحرب للتعظيم، وزادها تعظيماً نسبتها إلى اسم الله الأعظم، وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته. قوله { فَإِن تُبْتُمْ } أي من الربا { فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوٰلِكُمْ } تأخذونها { لاَ تَظِلَمُونَ } غرماءكم بأخذ الزيادة { وَلاَ تُظْلَمُونَ } أنتم من قبلهم بالمطل، والنقص، والجملة حالية، أو استئنافية. وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم التوبة حلال لمن أخذها من الأئمة، ونحوهم ممن ينوب عنهم. قوله { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ } لما حَكَم سبحانه لأهل الربا برءوس أموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظرة إلى يسار، والعسرة ضيق الحال من جهة عدم المال، ومنه جيش العسرة. والنظرة التأخير، والميسرة مصدر بمعنى اليسر، وارتفع { ذو } بكان التامة التي بمعنى وجد، وهذا قول سيبويه، وأبي عليّ الفارسي، وغيرهما. وأنشد سيبويه
فِدىً لبني ذُهْلِ بن شَيْبَان يا فتى إذا كان يومٌ ذو كواكب أَشْهَبُ   
وفي مصحف أبيّ «وإن كان ذا عسرة» على معنى وإن كان المطلوب ذا عسرة. وقرأ الأعمش «وإن كان معسراً». قال أبو عمرو الداني، عن أحمد بن موسى، وكذلك في مصحف أبيّ بن كعب. وروى المعتمر، عن حجاج الوراق، قال في مصحف عثمان { وَإِن كَانَ ذَاعُسْرَةٍ } قال النحاس، ومكي، والنقاش وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا، وعلى من قرأ «ذو» فهي عامة في جميع مَنْ عليه دين، وإليه ذهب الجمهور. وقرأ الجماعة { فَنَظِرَةٌ } بكسر الظاء. وقرأ مجاهد، وأبو رجاء، والحسن بسكونها، وهي لغة تميم. وقرأ نافع، وحده { مَيْسَرَةٍ } بضم السين، والجمهور بفتحها، وهي اليسار. قوله { وَأَن تَصَدَّقُواْ } بحذف إحدى التاءين، وقريء بتشديد الصاد، أي وأن تصدقوا على معسري غرمائكم بالإبراء خير لكم، وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر، وجعل ذلك خيراً من إنظاره، قاله السدي، وابن زيد، والضحاك.

السابقالتالي
2 3